تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
شركاء الإبادة الجماعية
فى تتابع لا يُصَدَّق صدر قرار محكمة العدل الدولية الذى اتخذ عددًا من التدابير الاحترازية ضد إسرائيل بسبب اتهام جنوب إفريقيا لها بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية فى غزة، وقرارات عدد من الدول وصل إلى١٥دولة بتعليق مساهماتها المالية فى وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين وتشغيلهم (الأونروا)، والتى أُسست فى ١٩٤٨ لمساعدة اللاجئين الفلسطينيين وإيجاد فرص العمل لهم!!
والسبب فى الربط بين قرار المحكمة وقرارات وقف عدد من الدول تمويلها الأونروا أن قرار المحكمة فى بنده الرابع قد نص على اتخاذ إسرائيل تدابير فورية وفعالة لتوفير الخدمات الأساسية والمعونة الإنسانية العاجلة لعلاج أوضاع الحياة السلبية التى يواجهها الفلسطينيون فى غزة!1
وكانت المحكمة قد استفاضت فى حيثيات قرارها بالحديث عن الأوضاع المأساوية فى القطاع، وبالذات عدم استطاعة العديد من سكانه الحصول على المواد الغذائية الأساسية أو المياه الصالحة للشرب أو الكهرباء أو الأدوية الأساسية أو التدفئة، وفى هذه الظروف اللاإنسانية تسارعت ١٥ دولة تساهم بأكثر من نصف ميزانية الأونروا بوقف مساهماتها تعللًا باتهامات إسرائيل لعدد من موظفى الوكالة بالانخراط فى عملية ٧ أكتوبر!!
وثمة عدد من الملاحظات على هذا الاتهام:
وتتعلق الملاحظة الأولى بمهزلة الاتهامات الإسرائيلية المرسلة التى استندت إليها فى عملية القتل الجماعى والتدمير الممنهجين التى قامت بهما فى غزة، فهى تدمر المساكن على رءوس أصحابها لأن قادة حماس مختبئون بها وفقًا لما يزعمون أنها معلوماتهم الاستخبارية المؤكدة، وهى تفعل الأمر نفسه بالذريعة ذاتها مع المستشفيات ودور العبادة الإسلامية والمسيحية والمدارس والجامعات والمؤسسات الحكومية والمعالم الأثرية، دون أن تُخرج إسرائيل لنا قياديًا واحدًا ثبت اختباؤه فى كل ما تم تدميره، فإلى متى الضعف أمام هذه الأكاذيب المفضوحة؟.
أما الملاحظة الثانية فهى أن رد الفعل الفورى للدول التى علقت تمويلها كان التصرف على أساس صحة الاتهامات، وإلا فلماذا عدم التريث حتى يُجْرى تحقيق يتم فيه التوصل للحقيقة؟!
ولقد علمت قبل كتابة المقالة أن الأمين العام للأمم المتحدة قد شكل لجنة من الدول الاسكندنافية وبعض مراكز الأبحاث للتحقيق فى هذه الاتهامات، وهى خطوة مُقَدَّرة نتطلع لمعرفة نتيجتها!
وهذا ينقلنا للملاحظة الثالثة، ومفادها أنه حتى لو ثبت تورط هؤلاء فى الهجمات فما الذى يعنيه ارتكاب١٣موظفا من١٣ألف (أى بنسبة %0٫1) لعمل يتعارض مع وظيفتهم الدولية؟ وهل يبرر هذا الخطأ إعدام منظمة بأكملها مسئولة عن أكثر من٥ملايين لاجئ؟!
يعلم متابعو أداء المنظمات الدولية بما فيها الأمم المتحدة أن بعض المنتسبين لأجهزتها يرتكبون مخالفات بل وجرائم أحيانًا، فهل تكون عقوبتها هى إلغاء هذه الأجهزة؟
وهل أُلغيت عمليات حفظ السلام عندما تورط بعض أفراد القوات المشاركة فيها فى عمليات اغتصاب مثلًا؟
وهل أوقف برنامج النفط مقابل الغذاء الذى رعته الأمم المتحدة فى العراق بعد الاحتلال الأمريكى عندما اكتُشِفَت عمليات الفساد الهائلة فيه؟
المشكلة أن نية إسرائيل مبيتة ضد الوكالة منذ ما قبل٧أكتوبر، وهى نية تتسق مع المخطط الواضح لجعل غزة مكانًا غير صالح للحياة لإجبار أهلها على مغادرتها. على هذا النحو لا أجد وصفًا للعمل الذى قامت به الدول الـ١٥بتعليق مساهماتها فى ميزانية الأونروا سوى أن الانحياز الأعمى لإسرائيل قد جعل هذه الدول شريكة فى جريمة الإبادة الجماعية المُتَّهَمة بها إسرائيل رسميًا فى محكمة العدل الدولية، والتى رأت المحكمة أن ثمة أساسًا لها بدليل ما اتخذته من تدابير احترازية أمرتها بالالتزام بها، وتقديم تقرير عن هذا الالتزام فى غضون شهر، وتتزعم هذه الدول كالعادة الولايات المتحدة التى سبق لإدارة ترامب أن أقدمت على الفعل نفسه عقابًا للفلسطينيين على اعتراضهم على أفعاله وأقواله بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وتقديم مقترحه لتصفية القضية الفلسطينية بعنوان «صفقة القرن»، ومع الولايات المتحدة تقف ألمانيا التى تدهشنا بانحيازها الصارخ لإسرائيل، وتدفعنا للحنين لأيام المستشارة الرصينة أنجيلا ميركل، وإيطاليا التى وصمت «حماس» بالنازية، وهولندا التى قالت إن هجوم ٧ أكتوبر نُفذ بالأموال الهولندية! ودول أخرى مهمة ككندا واستراليا واليابان ودول أخرى صغيرة كجمهوريات البلطيق السوفيتية السابقة وغيرها، وقد أجمعت منظمات دولية غير حكومية كمنظمة العفو الدولية ومنظمة أوكسفام على التذكير بقرار محكمة العدل الدولية وتناقض قرارات تعليق التمويل معه، ووصفت أوكسفام القرارات بالتهور وعدم التناسب وأنها اتُخِذت دون تحقيق، أما منظمة العفو الدولية فقد اعتبرت أن القرارات تمثل ضربة قاصمة لشريان الحياة الوحيد فى غزة وحثت على التراجع عنها، كما أن أمينتها العامة أكدت ضرورة التحقيق فى المزاعم التى وصفتها بالخطيرة، على أن يتم التحقيق فيها بشكل مستقل، وأضافت أنه مع وجوب محاسبة أى شخص تتوافر ضده أدلة مقبولة وكافية قضائيًا فى محاكمات عادلة فإن الأفعال المزعومة لعدد قليل من الأفراد يجب ألا تتخذ كذريعة لقطع المساعدات المنقذة للحياة فيما يمكن أن يرقى لمستوى العقاب الجماعى، واعتبرت القرار مشينًا فى ضوء قرار محكمة العدل الدولية!
وكان متوقعًا بطبيعة الحال أن يصف المفوض العام للأونروا القرار بأنه صادم باعتباره رد فعل لادعاءات ضد مجموعة قليلة من الموظفين لا سيما فى ظل التدابير التى اتخذتها الوكالة (يقصد فصلهم) التى يعتمد عليها أكثر من مليونى شخص للبقاء على قيد الحياة، كذلك تجدر الإشارة إلى مواقف الدول الأوروبية التى لم تُسْتَدْرَج لهذا الموقف المشين وعلى رأسها أيرلندا التى صرح وزير خارجيتها بأن موظفى الأونروا قدموا مساعدات منقذة لحياة ٢٫٣ مليون إنسان، ودفعوا ثمنًا لا يصدق نظير ذلك، ويقصد أن أكثر من مائة موظف قد لقوا حتفهم بسبب القصف الإسرائيلى، والنرويج التى أعلنت أنها لن توقف التمويل، بل حث وزير خارجيتها الدول التى علقت تمويلها على مراجعة قرارها، والنظر فى عواقبه الوخيمة، كذلك لم يكن ممكنًا للاتحاد الأوروبى اتخاذ موقف جماعى بالمشاركة فى قرار التعليق بالنظر لمعارضة عدد من أعضائه بالإضافة لأيرلندا والنرويج كإسبانيا وبلجيكا ولوكسمبورج، وجدير بالذكر أن اسم فرنسا قد ورد بداية ضمن الدول التى علقت تمويلها، غير أنه تم تصحيح ذلك لاحقًا، ولعل هذا يكون جزءًا من المراجعة الأشمل للسياسة الفرنسية تجاه القضية الفلسطينية كما بدا بعد المواقف الأولية المزايدة على الانحياز لإسرائيل فى بداية الأزمة!
وبانتظار موقف عربى داعم ماليًا ودبلوماسيًا للأونروا فى تهديد البقاء الذى تواجهه.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية