تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

سردية الكذب الإسرائيلية

تعودنا الكذب فى الروايات الإسرائيلية فى كل ما يتعلق بفلسطين وشعبها، غير أن أحداث ما بعد ٧ أكتوبر الماضى فتحت الباب على مصراعيه للنخب السياسية والعسكرية والإعلامية الإسرائيلية الرسمية وغير الرسمية لممارسة الكذب بشأن ما يجرى على أوسع نطاق ودون حياءٍ وبأقصى درجة من الغباء دون أدنى إدراك!

لأن كل شىء إذا زاد عن حده انقلب إلى ضده، وهو ما حدث بالفعل فى عديد من الأكاذيب الإسرائيلية التى افتضح أمرها على نحو فورى أو بعد حين، وسوف تعرض هذه المقالة ست أكاذيب كافية لأن ترسم لوحة متكاملة لسردية الكذب الإسرائيلية، ثلاث منها موجهة ضد الخصوم المباشرين وهم الشعب الفلسطينى ومقاومته، وثلاث أخرى تجاه مصر التى تحترم التزاماتها القانونية تجاه إسرائيل حتى الآن رغم استفزازاتها المتكررة، وتقوم بدور حيوى لا غنى عنه فى التوسط من أجل إنهاء الحرب.

 

ارتبطت الكذبة الأولى بادعاء أن عناصر المقاومة في٧أكتوبر قد ذبحت الأطفال واغتصبت الإناث وقتلت المدنيين، وقد وصل الأمر إلى حد تبنى الرئيس الأمريكى شخصيًا فى حديث مع زعماء يهود أمريكيين واقعة ذبح الأطفال، وسرعان ما تراجع البيت الأبيض مؤكدًا أنه لا الرئيس الأمريكى ولا أى مسئول أمريكى آخر شاهد صورًا لذبح الأطفال، وأن تصريحات بايدن استندت إلى مزاعم نيتانياهو، أما واقعة الاغتصاب فسرعان ما نفت الصحفية التى أشارت إليها أن شهادتها بُنيت على معلومات مباشرة، واعترفت بأن هذا ما قيل لها، ثم وصل الأمر فى ٢٢ مايو الحالى إلى تراجع الشاهد الرئيسى على اتهام الاغتصاب (وهو متطوع فى منظمة البحث والإنقاذ الإسرائيلية «زاكا») عن روايته قائلًا «لم أخترع قصة، لكن اتضح أن الأمر مختلف»، ويقصد بذلك أن استنتاجه من المشاهد التى رآها بخصوص واقعة الاغتصاب لم يكن صحيحًا،

ويلاحظ أن المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية على كثرة ما تلقاه من ادعاءات بخصوص انتهاكات جنسية لم يحسم هذه المسألة فى بيانه، وأفاد باستمرار التحقيق، وثمة تهمة ثالثة للمقاومة فى ٧ أكتوبر بخصوص قتل مئات من المدنيين المشاركين فى حفل موسيقى فى غلاف غزة أثناء هجوم المقاومة فى ٧ أكتوبر، وبعد ما يزيد على الشهر نشرت صحيفة هاآرتس مقتطفات من تحقيقات أجرتها الشرطة الإسرائيلية أفادت بأن طائرة هليوكوبتر إسرائيلية قصفت هؤلاء المدنيين فى أثناء محاولات استهداف مسلحى المقاومة، وقتلت ٣٦٤ منهم. وقد استُخدمت هذه الأكاذيب على نطاق واسع لدمغ المقاومة بتهمة الإرهاب، وتجريدها من صفة مقاومة الاحتلال التى يقرها القانون الدولى، وليس أدل على هذا من أن كل البيانات اللاحقة لـ٧ أكتوبر بما فى ذلك بيانات عربية بل وفلسطينية أدانت قتل المدنيين بصفة عامة، أى أنها سوت بين إسرائيل والمقاومة فى هذا الصدد، بل إن الدعوى الممتازة لجنوب إفريقيا ضد إسرائيل فى محكمة العدل الدولية أدانت حماس، ولم تُشر بحرف إليها كفصيل مقاوم للاستعمار، وهاهى الكذبة تُفَنَّد كلها بما لا يدع مجالًا لشك فى كذب السردية الإسرائيلية.

أما الكذبة الثانية فهى الادعاء بأن قادة حماس يتخذون من أهل غزة وكل مكان فيها دروعًا يختبئون خلفها، ولذلك فهى تقصف كل شىء فى غزة من حجر وبشر، فتقتحم المستشفيات بناء على ما تسميه معلومات استخبارية مؤكدة، وهو ما ثبت زيفه وسخفه دائمًا، بدليل أن إسرائيل لم تخرج علينا مرة واحدة من هذه العمليات التى أودت بحياة عشرات الآلاف من الشهداء وضعفهم من المصابين بقيادى واحد من المقاومة تكون قد وجدته فى هذا المستشفى أو تلك وغيرها من المواقع التى اقتحمتها، وأعملت فيها القتل والتدمير، ولو كان الادعاء الإسرائيلى صحيحًا فلماذا أقدمت إسرائيل فى كل مرة على تدمير كل مقومات الحياة، فما علاقة مطاردة قادة المقاومة ومقاتليها بتدمير الأجهزة الطبية كأجهزة الغسيل الكلوى فى المستشفيات التى اقتحمتها؟ وتبدو الكذبة الثالثة نهجًا ثابتًا للمصادر العسكرية الإسرائيلية برعاية سياسية بطبيعة الحال، وتتمثل فى حديث الخسائر المكذوب، فمن الواضح أن هذه المصادر تتعمد الكذب فى الإعلان عن الخسائر، وصحيح أن هذا النهج مّتَّبَع فى الحروب للحفاظ على الروح المعنوية للقوات المقاتلة. لكن المبالغة فيه تحدث آثارًا عكسية فى الداخل الإسرائيلى، وقد ظهرت افتتاحية صحيفة يديعوت أحرونوت فى ١٨ مايو الحالى على هيئة صفحة سوداء كتبت عليها أسماء ١٥٠٠جندى قتلوا فى الحرب لم تعترف المصادر الإسرائيلية إلا بـ٧٠٠ منهم فقط، ويُضطر الجيش لذكر شىء عن خسائر قتلاه ومصابيه لأنه من المستحيل إخفاؤها عن أُسَر القتلى، أما خسائر المعدات فلا يأتى على ذكرها أصلًا، رغم أننا نشاهد وقائعها ومعدلاتها فى الشرائط الحية المصورة التى تبثها المقاومة بمعدل يومى تقريبًا.

وتبقى الأكاذيب المتعلقة بمصر وأهمها أنها تهرب الأسلحة لحماس، أو على الأقل تتغاضى عن ذلك، وأنها تعوق أو تمنع دخول المساعدات لغزة، وأن المفاوض المصرى قد غير من صيغة الورقة التى قدمها لحماس فى مفاوضات الهدنة الأخيرة، وهى الورقة التى وافقت عليها حماس وادعت إسرائيل أن مصر غيرت صيغتها كى تقبل بها حماس!

وبخصوص كذبة تهريب الأسلحة يُلاحظ مدى فجاجتها، وتناقضها مع سياسة مصر ذات الوجه الواحد التى تحترم التزاماتها القانونية، وجهودها الثابتة فى إغلاق الأنفاق بين سيناء وغزة لحماية أمنها القومى من مخاطر تحولت إلى واقع فى ظل هجمة الإرهاب عليها، وكذلك اتساقها مع حالة الإنكار التى تعيشها إسرائيل مداراة لعجزها فى المواجهة الراهنة عن تحقيق نصر يترجم جرائم القتل والتدمير إلى حقائق سياسية، وهى هنا تنكر القدرات الذاتية لحماس، سواء بشأن الحصول على سلاح إسرائيلى بالشراء أو الاستيلاء، أو قدرتها على التصنيع الذاتى لأسلحة أثبتت جدواها فى ميدان القتال، بما فى ذلك استفادتها من المواد التى تحتويها القنابل والصواريخ التى أمطرت بها إسرائيل غزة ولم تنفجر، أما أكذوبة تعويق مصر لدخول المساعدات فقد بلغت الصفاقة بإسرائيل الحد الذى جعلها تضع هذه الأكذوبة التى لا تستحق الرد لتفاهتها على لسان أحد محاميها فى محكمة العدل الدولية، وقد جاء الرد المصرى الرسمى سريعًا وحاسمًا وقاطعًا، وتبقى أم الأكاذيب التى أختتم بها فضح السردية الإسرائيلية، وهى الادعاء بأن مصر قد غيرت من شروط اتفاق الهدنة الذى بادرت بطرحه قبل عرضه على حماس واستجابت له، وقد تكفل الرد الرسمى المصرى الرسمى بتفنيد هذه التهمة فى بيان هيئة الاستعلامات المصرية، غير أن ذلك كان واضحًا منذ الوهلة الأولى لأى مراقب موضوعى، فلا يمكن أولًا للمفاوض المصرى المحنك أن يقع فى هذا الخطأ الساذج الذى يتعارض مع بديهيات القيام بدور الوسيط، خاصة أن الإدارة الأمريكية ممثلة فى مدير المخابرات المركزية كانت حاضرة فى كل التفاصيل، ولو فعلت مصر ذلك لكانت تلعب لعبة أطفال وليس لعبة الأمم، وقد ظلت الإدارة الأمريكية سواء من خلال الرئيس أو وزير خارجيته تلح قبل موافقة حماس على معنى أن عرضًا سخيًا مطروحًا عليها وأنها لو رفضته لأصبحت العائق الوحيد أمام وقف إطلاق النار، والأهم من ذلك كله أن نيتانياهو عندما خرج على العالم بكذبته لم يصدر عن الإدارة الأمريكية أى تأييد لها، وإنما كان رد فعل البيت الأبيض وخارجيته معًا أن الفجوة بين الجانبين يمكن عبورها، ولو كان الادعاء صحيحًا لسارعت الإدارة الأمريكية إلى دعمه وتوجيه اللوم لمصر، لكن الرجل وفقًا للحديث الشريف «لايزال يكذب ويتحرى الكذب حتى يُكتب عند الله كذابا».

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية