تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

حفظ الله اليمن

شهد اليمن منذ مطلع الشهر الحالى تطورات خطيرة تمثلت فى محاولة المجلس الانتقالى الجنوبى وضع مشروعه لتفكيك وحدة اليمن موضع التطبيق، وذلك بالسيطرة العسكرية أولًا على حضرموت والمهرة، والدعوة ثانيًا لاعتصام شعبى مفتوح يؤيد المشروع الانفصالى فى محاولة لإكساب هذا المشروع شرعية سياسية، وتعود جذور المشروع الانفصالى فى اليمن للممارسات الخاطئة لحكومة على عبدالله صالح فى الجنوب بعد أن نجحت فى هزيمة القوات الجنوبية التى حاولت الانفصال فى 1994، وترتب على هذه الممارسات ظهور ما سُمى بالحراك الجنوبى، والذى بدأ بحركة مطلبية لإزالة المظالم التى وقعت فى الجنوب بعد إجهاض محاولة الانفصال، وإزاء تجاهل هذه المطالب تحول الحراك من حركة مطلبية إلى حركة انفصالية تهدف لإعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل توحيد شطرى اليمن فى 1990، وقد مثل انتصار الانتفاضة الشعبية اليمنية 2011 فرصة حقيقية لإعادة قطار الوحدة إلى مساره الصحيح، ذلك أن مؤتمر الحوار الوطنى الذى انعقد بموجب المبادرة الخليجية، التى أفضت لتنحى صالح وانتخاب نائبه عبد ربه منصور هادى رئيسًا، وضع القضية الجنوبية فى صدارة أولوياته، واتخذ من القرارات ما يضمن إعادة التوازن فى العلاقة بين شطرى الوحدة الشمالى والجنوبى، ويكفى أن تلك القرارات قد اعترفت بأخطاء الماضى فى حق الجنوب، وعملت على جبر الأضرار التى لحقت به بكل الوسائل من تعويضات وإعادة ممتلكات وإعادة مفصولين لمناصبهم، كماحولت الدولة اليمنية -وهذا هو الأهم- من الصيغة المركزية للصيغة الاتحادية (الفيدرالية)، فضلًا عن وضع معايير عادلة لتوزيع عائدات النفط والغاز بطريقة تراعى حاجات الأقاليم المنتجة، ناهيك بضمانات تتمثل فى التوازن التام بين الشمال والجنوب فى جميع الهياكل القيادية التنفيذية والتشريعية والقضائية فى الدورة الانتخابية الأولى رغم التفوق السكانى للشمال، وبعد الدورة الأولى ينص الدستور الاتحادى على آليات تنفيذية وتشريعية وقضائية لحماية المصالح الحيوية للجنوب، وعدم إجراء أى تعديل دستورى يخصه إلا بموافقة أغلبية أعضائه فى مجلس النواب، وقد ترجم مشروع الدستور الاتحادى جميع هذه الضمانات تفصيلًا، غير أن الانقلاب الحوثى فى سبتمبر 2014 أوقف هذا المسار، وسمح لاحقًا للعناصر الانفصالية المدعومة خارجيًا بإعادة إحياء المشروع الانفصالى، وتبدى ذلك بوضوح فى تشكيل المجلس الانتقالى الجنوبى فى 2017، والذى لم تُخْف قيادته فى أى وقت من الأوقات مشروعها الانفصالى، ولذلك فإن الادعاءات السخيفة التى يروجها بعض أنصار المجلس بأن التحركات الأخيرة لقواته كانت تهدف لتصفية بؤر إمداد الحوثيين بالمساعدات تفتقر لأى أساس، كما أن هذا البعض هم أول من يعلم أن نجاح مشروعهم الانفصالى يمثل أكبر خدمة للحوثيين بقدر ما يضعف الحكومة الشرعية اليمنية، فما العمل؟

 

فى الإجابة عن هذا السؤال المصيرى أطرح النقاط الأربع التالية:

أولًا- إن الحفاظ على الوحدة اليمنية بأى ثمن يجب أن يكون نقطة الانطلاق لأى تحرك، وفى إطارها تتحقق كل مطالب أهل الجنوب، وهو ما يعنى أن هزيمة المشروع الانفصالى هى الهدف الاستراتيجى لأى تحرك، ليس من أجل وحدة اليمن فحسب، وإنما من أجل هويته أيضًا، ولقد توقفت طويلًا أمام مسمى الدولة التى ينشدها الانفصاليون (دولة الجنوب العربى)، وهو مسمى يحرم هذا الجزء العزيز من اليمن من هويته اليمنية، ويعلم الذين يتذكرون السنوات الأخيرة للاحتلال البريطانى لجنوب اليمن أن هذا كان الاسم المفضل لدى سلطات الاحتلال، وهو الاسم الذى أطلقته على الكيان الزائف الذى أسسته وهى تلفظ أنفاسها الأخيرة (اتحاد الجنوب العربى)، والذى انهار من داخله بفعل المد التحررى المتصاعد آنذاك.

ثانيًا- كل الاحترام والتقدير لأهل الجنوب الذين سطر آباؤهم واحدة من أمجد المعارك فى تاريخ حركات التحرر الوطنى ولمطالبهم المشروعة، ومن الأهمية بمكان أن يكون واضحًا أن مطلب الانفصال ليس موضع إجماع، بل على العكس فإن معلوماتى الميدانية تفيد بأن تحركات قوات المجلس الانتقالى الأخيرة فى حضرموت والمهرة لم تكن موضع ترحيب شعبى، وهو ما يثير أسئلة مشروعة حول وزن الأدوار الخارجية فى إذكاء نار الفتنة، وقد أضيف فى هذا السياق أن إسرائيل تراقب الموقف بسرور بالغ، خاصة على ضوء تصريحات رئيس المجلس الانتقالى فى جامعة كولومبيا فى سبتمبر الماضى بأن الجنوب حين استقلاله سيكون أقرب للانضمام للاتفاقات الإبراهيمية، وهى تصريحات تضيف مزيدًا من الرتوش للوحة الانفصال، ومعروف وموثق دور إسرائيل ضد ثورة سبتمبر 1962 فى اليمن بالتعاون مع سلطات الاحتلال البريطانى.

ثالثًا- آن الأوان للعمل الجاد من الجميع لتوحيد معسكر الشرعية كى يكون قادرًا على التصدى لأى محاولة للنيل منها، ولا أُزيد، فأهل مكة أدرى بشعابها.

رابعًا- يجب ألا يُترك اليمن وحيدًا فى هذه الظروف، فقضيته لا تخصه وحده، وإنما هى ذات صلة عضوية بما يجرى أمام أعيننا من محاولات مستميتة لتفتيت أقطار الوطن العربى إلى شظايا تجعل استعادته تأثيره الإقليمى والدولى محالًا، كما نتابع فى السودان وسوريا وغيرهما للأسف، ولقد نجح العراق فى الحفاظ على وحدته الوطنية رغم تباين مكوناته العرقية، فما بالنا بالشعب اليمنى الواحد عبر التاريخ، وتتحمل السعودية قائدة التحالف المناصر للشرعية مسئولية خاصة فى هذا الصدد، كما آن الأوان كى تلعب الجامعة العربية دورًا حاسمًا فى الحفاظ على وحدة اليمن، ولديها من الكفاءات والأجهزة ما يمكنها من هذا، وأخيرًا فإن مصر تتحمل مسئولية خاصة بدورها بحكم سياستها العربية الرشيدة، وأهم مكوناتها الحفاظ على كيانات الدول الوطنية العربية، وبحكم تضحياتها من أجل يمن عصرى مستقل، وبحكم الضرر الذى سيلحق بمصالحها الحيوية لو انتصر مشروع الانفصال بتوجهاته المشبوهة لا قدر الله.

حفظ الله اليمن.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية