تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

استعرضت المقالة الماضية موقع التهجير من المشروع الصهيونى الإحلالى فى فلسطين ومحطاته الأساسية، وصولًا إلى المحطة الخطيرة الحالية التى يتبنى فيها الرئيس الأمريكى فكرته الفجة عن التهجير، ويواصل تصريحاته اللامعقولة تارة عن سيطرة الولايات المتحدة على غزة، وثانية عن شرائها من إسرائيل!

مع أن الاتفاق الذى يُقال أنه لعب دورًا أساسيًا فى إبرامه ينص على انسحابها الكامل من القطاع،

وتارة ثالثة عن توزيع أجزاء منه على دول أخرى، وكأننا بالفعل بصدد مشروع عقارى تُطرح وحداته للراغبين،

وتارة رابعة يعود ليهدد غزة بالجحيم إن لم تُفرج «حماس» عن جميع الأسرى بحد أقصى الساعة 12 بعد غد السبت، وكأنه ينقض الاتفاق الذى استغرق الوصول إليه نحو سنة، ولا يعلم أن الفلسطينيين يعيشون فى جحيم بالفعل منذ أكثر من سنة،

وتارة خامسة يؤكد أنهم لن يعودوا إلى غزة ضاربًا عرض الحائط بحقوقهم الوطنية غير القابلة للتصرف،

وأخيرًا يلوح بفرض عقوبات على مصر والأردن إن لم تستجيبا لأفكاره، فأين مصر من هذا الموقف العبثي؟

 

من حسن الحظ أن مصر من الدول المحترمة التى تنبع قراراتها من سياسات متكاملة تستند لرؤى واضحة، ولا تأتى كردود أفعال على مواقف طارئة كهذا الموقف العجيب،

ولست بحاجة للتذكير بالسياسة المصرية تجاه القضية الفلسطينية وثوابتها التى لم تتخل عنها يومًا رغم اختلاف السياسات عبر العهود، ويمثل الموقف من التهجير مكونًا أساسيًا فى هذه السياسة لسبب بسيط، وهو أن تفريغ الأرض الفلسطينية من سكانها يعنى تلقائيًا تصفية القضية الفلسطينية، ويجب أن يكون واضحًا أن هذا الموقف لا علاقة له بحديث ترامب أو غيره من الساسة الإسرائيليين عن مصر كوجهة أساسية لهذا التهجير، فمصر تستضيف ما لا يقل عن 10 ملايين عربى،

لكن الحالة الفلسطينية مختلفة، فهذه الأعداد تلوذ بمصر بمحض اختيارها كملجأ مؤقت لظروف طارئة،

أما تهجير أهل غزة فهو جريمة تطهير عرقى لا يمكن لمصر أن تشارك فيها كما أكد رئيسها علنًا بكل وضوح، وبطبيعة الحال فإن من حق مصر أن تكون لها شواغلها الأمنية النابعة من وجود أعداد كبيرة على أرضها حُرِمت من حقوقها، وتتطلع للعمل من أجل استرداد هذه الحقوق، ولقد كان الموقف المصرى الرافض للتهجير من أبرز عناصر السياسة المصرية بعد7 أكتوبر2023،

ويذكر الجميع أن هذا الموقف حظى بتأييد عالمى شمل الاتحاد الأوروبى وإدارة بايدن ذاتها، ولعلنا نذكر أن دوائر مشبوهة بعينها قد حاولت التشكيك فى هذا الموقف كثيرًا بادعاء أنه مجرد تمثيلية سوف يعقبها تدفق الفلسطينيين إلى سيناء بعد مسرحية عسكرية مفتعلة تخرجها إسرائيل على الحدود المصرية مع القطاع، تكون من تداعياتها تدفق الغزاويين لمصر، وقبولها لهم بدواعٍ إنسانية، ومر ما يزيد على سنة على هذه الادعاءات والسياسة المصرية صامدة، وستبقى كذلك بإذن الله، لكن لهذا الموقف عواقبه بالتأكيد، خاصة بعد أن خرج علينا ترامب بأفكاره الأخيرة، أفلا تخشى مصر هذه العواقب؟

يجب أن يكون واضحًا وقاطعًا من البداية أن المواقف المتعلقة بقيم عليا كالأمن القومى لا تنطبق عليها الحسابات التقليدية، فلم تكن حسابات قوة الصاعقة المصرية التى تصدت بعد أيام من هزيمة 1967 للقوات الإسرائيلية وانتصرت عليها فى راس العش حسابات تقليدية، وكذلك الأمر فى إغراق المدمرة إيلات وحرب الاستنزاف وصولًا لحرب أكتوبر المجيدة، ولا أقصد بهذه الأمثلة التلميح لأى شىء سوى أن الأولوية فى هذه المواقف تكون للحفاظ على القيم العليا للأمن القومى مهما كانت المخاطر،

ولننتقل الآن لبعض التفاصيل:

 فهل يكفى التلويح بالعقوبات أو حتى فرضها لكى تغير مصر موقفها؟ نلاحظ أولًا أن العقوبات لو فُرِضت على مصر فى هذا الموقف فسوف تمثل إضافة لفقه العقوبات تُسَجَّل باسم ترامب، فقد اعتدنا على فرض العقوبات على دولة معتدية، أو تحاول امتلاك أسلحة دمار شامل، أو ترعى الإرهاب، وستكون إضافة طريفة لأسباب العقوبات أن تُعاقب دولة لرفضها استقبال جماعة من البشر طُرِدَت من أرضها ظلمًا وعدوانًا، ويشهد تاريخ مصر والحمد لله أنها تعرضت لعقوبات وصمدت وانتصرت فى مواجهتها، فضلًا عن تعرضها لأزمات اقتصادية طاحنة لا يد لها فيها كالأزمات الاقتصادية العالمية أو أزمة كوڤيد 19 وغيرها، واجتازتها بحمد الله،

وأُذَكر من يتخوفون بحسن النية أو بسوئها من عقوبات محتملة أن مصر تخسر منذ بدأت عمليات الحوثيين ضد إسرائيل كل شهرين ما قيمته تقريبًا إجمالى المساعدات الأمريكية فى عام، وهى تتحمل هذا حتى دون أن تدين أعمال الحوثيين لأمر يتعلق أيضًا بالقيم العليا.

ويُضاف لما سبق أن مصر لا تتحرك وحدها، فالأردن مستهدف أصيل بحديث التهجير من الضفة، فضلًا عن أن ترامب أضافه كمستقر مشارك لأهل غزة، وأضاف نيتانياهو السعودية بغبائه للمستهدفين المباشرين بحديثه عن دولة فلسطينية على أرضها، ناهيك بالاستنفار العربى الشامل ضد هذه الأفكار الشوهاء، ولقد تحركت السياسة المصرية بحكمة بالغة باتجاه حشد ظهير عربى فى هذه المعركة المصيرية، سواء بالاتصالات الثنائية أو بالاجتماع الذى ضم وزراء 5 دول عربية، أو بالدعوة لقمة عربية طارئة فى 27 فبراير الحالى، كما أعلنت الخارجية المصرية أمس الأول عن أن هناك توافقًا مبدئيًا على عقد اجتماع وزارى طارئ لمنظمة التعاون الإسلامى بعد القمة العربية الطارئة، ومن المؤكد أن القمة وما يتلوها من تحركات سوف تؤكد الرفض القاطع لأفكار التهجير الشوهاء، وهذا كافٍ فى حد ذاته لدحض مخطط التهجير،

حتى وإن حدث خلاف حول الإجراءات الأخرى التى يجب اتخاذها لوأد تلك الأفكار، ويؤمل أن تكون القمة نقطة انطلاق لصحوة للنظام العربى يستعيد بها قدرته على إفساد خطط أعدائه، وساعتها سوف يعلم الذين ظلموا أى منقلب ينقلبون.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية