تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

أدلى ستيف ويتكوف مبعوث الرئيس ترامب للشرق الأوسط أخيرا بحديث للإعلامى الأمريكى اليمينى الشهير تاكر كارلسون، وهو حديث لا يكتسب أهميته من عمق تحليله، لأنه لم يفعل سوى تكرار مواقف إسرائيل التى تؤيدها إدارة ترامب على نحو مطلق،

كما أن العمق التحليلى لا يُتَوَقَّع من ملياردير مستثمر ومطور عقارى حديث عهد بالسياسة كرئيسه، ولذلك فقد امتلأ الحديث بالغموض، وقد يكون مقصودًا والتناقض الداخلى، وعدم اللياقة الدبلوماسية أحيانًا،

ومع ذلك فإن أهميته تنبع من أنه يعبر عن سياسة ترامب، وهى سياسة قد تلحق بها تغيرات فى أى لحظة كما عودنا، وإن فى إطار الالتزام القوى بأمن إسرائيل الذى لا يمنع تغير التكتيكات كما لاحظنا غير مرة، ويمكن النظر للحديث مِن منظور محدد وهو الحرص على السلام فى الإقليم، لكنه «سلام أمريكي»، أى بمواصفات وشروط أمريكية هى بالأساس مواصفات وشروط إسرائيلية، بمعنى أن ويتكوف يطرح رؤية للسلام، فإما أن تقبلها الأطراف المعنية أو تكون القوة هى الأداة المناسبة لإجبار هذه الأطراف على السلام بغض النظر عن عدالة هذه الرؤية أو توازنها،

وعلى سبيل المثال فحماس مطالبة بالتفريط فى الورقة الوحيدة المضمونة الباقية فى يدها وهى ورقة الأسرى مقابل وقف إطلاق النار لمدة معينة، دون أن يكون هناك ما يضمن الانسحاب الإسرائيلى الكامل من غزة، أو أى أفق سياسى مقبول للحل، بل إنه من اللامعقول أن «حماس» مطالبة بالإفراج عن الأسرى الموجودين بحوزتها، والتخلى عن حكم غزة وكذلك عن سلاحها مقابل خروج قادتها سالمين، وهو أمر لا يستقيم بأى منطق تفاوضى، ويعنى ببساطة أن ما عجزت إسرائيل عن تحقيقه بالحرب حتى الآن تريد إنجازه الآن بدون حرب، وهى معادلة مستحيلة سياسيًا،

وهذا هو بالتحديد ما يقلق فى حديث ويتكوف عن «حل جذري» للقضية الفلسطينية سوف يكون بهذه الطريقة مساويًا لتصفيتها، ولا يوجد ما يوضح رؤية «السلام بالقوة» أكثر مما رشح عن رسالة ترامب لطهران ومفادها «أنا رئيس سلام وهذا ما أريده، ولا داعى لنا لفعل ذلك عسكريًا. يجب أن نتحاور، وعلينا توضيح المفاهيم الخاطئة، وعلينا إنشاء برنامج تحقق حتى لا يقلق أحد بشأن برنامجكم النووى، وأود أن نصل لهذه النقطة لأن البديل ليس جيدًا»، وإن كان هذا العرض أكثر توازنًا من العرض المقدم لحماس.

 

وقد أبدى ويتكوف فى حديثه قلقًا يُشكر عليه على مستقبل مصر ودول عربية أخرى، وكان واضحًا فى أن مصدر قلقه هو الوضع الاقتصادى فى مصر الذى لا أدرى ما إذا كان ملمًا به حقًا، لأنه استخدم رقمًا فلكيًا لنسبة البطالة فى مصر لا أدرى من أين أتى به (‪%‬45)، لدرجة أن الشك انتابنى فيما إذا كان يعرف حقًا معنى معدل البطالة أم يخلط بينه وبين معدلات أخرى كالتضخم مثلًا، وقد حاولت عبثًا أن أجد رقمًا من مصدر دولى يعزز رقم ويتكوف أو يقترب منه، وكان الشىء الوحيد الذى عثرت عليه هو تقرير صادر عن صندوق النقد الدولى فى أبريل 2024 عدل فيه توقعاته لمعدل البطالة المتوقع فى مصر من ‪%‬7‪.‬5 توقعها فى أكتوبر 2023 إلى ‪%‬7‪.‬1 توقعها فى أبريل 2024، ولنا أن نحكم على سياسات يمكن أن تُبْنى على هذا الخواء المعرفى

والمشكلة أن ويتكوف رتب على تهيؤاته عن حالة الاقتصاد المصرى أن الوضع فيها قابل للانفجار فى أى لحظة، بما يضيف إلى خطأ معلوماته سطحية تقديراته، ويُلاحظ أنه ليس قلقًا على الوضع فى مصر خوفًا عليها، ولكن خوفًا على ما تحقق من سلام وتطبيع مع إسرائيل، لأنه يعتقد ـ وهذا هو الشىء الوحيد تقريبًا الصحيح فى تقديراته ـ أن ما يحدث فى مصر يؤثر على المنطقة بأكملها، وبالتالى فإن أى تغيير فى مصر يهدد منجزات عملية التسوية السياسية للصراع العربى الإسرائيلى ككل،

وقد اختلف المحللون فى تفسير حديث ويتكوف، فمنهم من قال إن كلماته عن مصر تنطوى على تحذير، ومنهم من اعتبرها تهديدًا، وآخرون تشككوا فى أن يكون تحريضًا، ولعل ويتكوف يسعد بهذا الغموض الذى جعل حديثه رسالة متعددة الأغراض لمن يهمه الأمر، بل لقد ذهب أحد الآراء إلى أن الحديث ينطوى على تحذير أو تهديد غير مباشر لإسرائيل على أساس أنها إن لم تتوقف عن حربها فى غزة تخاطر بكل منجزات التسوية السلمية للصراع، بما فى ذلك التطبيع مع دول عربية، ومعاذ الله أن يكون هذا التفسير صحيحًا، ونحن نرى ترامب يطلق يد إسرائيل فى صب الجحيم على غزة والضفة.

وبغض النظر عن الهدف الذى قصده أو لم يقصده ويتكوف بحديثه عن الوضع الداخلى فى مصر فإنه ليس مستغربًا من رجل هبط على الدبلوماسية بالمظلة من طائرته العقارية أن يبدو فاقدًا للغة الدبلوماسية، فهو يتحدث عن دولة صديقة خاضت مع بلاده لأكثر من سنة مفاوضات لوقف القتال، وليت ويتكوف يكلف أحدًا من مساعديه بأن يجمع له معلومات عن الكيفية التى صمد بها الشعب المصرى فى مواجهة أزماته الخانقة عبر التاريخ عامة ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية خاصة، سواء كانت أزمات أمنية أم سياسية أم اقتصادية،

وكيف أن هذا الشعب لديه وحدته الوطنية الراسخة، وتقليده الأصيل فى الالتفاف حول قيادته فى أوقات الأزمات، وعلى ويتكوف أن يعلم أنه وإن كانت مصر ستستفيد بطبيعة الحال من الحل السريع والجذرى للقضية الفلسطينية فإن إسرائيل والولايات المتحدة سوف تكونان أكثر استفادة من هذا الحل بسبب ما يفضى إليه من استقرار فى المنطقة يشجع على ازدهارها ورخائها، ومن ثم تعزيز المناخ الذى يلائم الأنشطة المفضلة لدى ترامب، غير أن المعضلة أن الحل الذى تقترحه الإدارة الأمريكية ومعها إسرائيل ليس سوى وصفة أكيدة لاستدامة الصراع ومشاكله.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية