تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
تأملات فى نوايا إسرائيل
تناولت المقالة الماضية المخطط الصهيونى الشامل لفلسطين الذى بدأ بتأكيد نية إقامة دولة يهودية على أرضها فى المؤتمر الصهيونى الأول ١٨٩٧، ثم أسست هذه الدولة على جزء من فلسطين فى ١٩٤٨استنادًا لقرار تقسيمها الصادر من الجمعية العامة للأمم المتحدة فى ١٩٤٧، وفى ١٩٦٧استكملت إسرائيل احتلال أراضى فلسطين، ثم استعرضت المقالة المؤشرات المباشرة وغير المباشرة على نية إسرائيل استكمال تنفيذ المخطط الصهيونى بتفريغ الأراضى الفلسطينية من سكانها، وانتهت بالسؤال عن نصيب هذا المخطط من النجاح وسبل مواجهته؟!
وفى الإجابة عن هذا السؤال ثمة وجهة نظر متشائمة تذهب إلى أن المخطط الصهيونى لتهويد فلسطين ماض فى طريقه وصولًا إلى غايته، فقد انتقل من الحلم بتأسيس دولة إلى تأسيسها فعلا بعد نحو نصف قرن على جزء من أرض فلسطين فى ١٩٤٨، ثم استكمال احتلالها فى ١٩٦٧، فما الذى يمنع من تنفيذ المرحلة الثالثة بتفريغ الأرض من سكانها؟ أو على الأقل من معظمهم وفقًا لنموذج ١٩٤٨، ولا ننسى ما حدث فى القارة الأمريكية من نجاح الاستيطان الاستعمارى على حساب السكان الأصليين، وهى وجهة نظر لا ينبغى الاستخفاف بها، ومن الضرورى مناقشتها!!
ولى فى هذا السياق٣ ملاحظات أساسية:
أبدأ بما أعتقد أنه أهمها، وهى استبعاد القياس على تجارب الاستيطان الأوروبى فى القارة الأمريكية لاختلاف السياق الدولى تمامًا عنه فى الواقع الراهن، فقد تمت تلك التجارب فى ظل هيمنة غربية مطلقة حرمت السكان الأصليين من أى دعم خارجى بالمخالفة تمامًا لحركات التحرر الوطنى عقب الحرب العالمية الثانية، التى استفادت من نظام القطبية الثنائية، بل إن بعضها تلقى دعمًا فاعلًا من قوى إقليمية، كما فى حالة الدعم المصرى لحركات التحرر العربية والإفريقية، وبالذات فى الجزائر وجنوب اليمن.
أما الملاحظة الثانية فتتعلق بالمدى الزمنى الذى يستغرقه تمام المشروع الاستعمارى وانهياره، فعديد من تجارب الاستعمار الماضية تجاوز القرن عمرًا قبل أن تبدأ عملية تآكله النهائية، كما فى الاستعمار الفرنسى للجزائر، والاحتلال البريطانى لجنوب اليمن وغيرهما، وقد تجاوز المشروع الصهيونى فى فلسطين القرن وربع القرن عمرًا إذا حُسِبت بدايته من إعلان هدف الدولة الصهيونية فى ١٨٩٧، وتجاوز ٣ أرباع القرن إذا حُسِب من تأسيس الدولة فى ١٩٤٨، والمهم أن ظهور المقاومة الفلسطينية للمشروع ارتبط بخطوات تنفيذه كما فى انتفاضة البراق ١٩٢٩وثورة ١٩٣٦، ويُلاحظ ظهور المقاومة المسلحة المنظمة بتأسيس حركة «فتح» فى يناير ١٩٦٥، ثم تصاعدها بعد استكمال احتلال أرض فلسطين فى ١٩٦٧، وقدرة الشعب الفلسطينى على الإبداع فى أساليب نضاله، كما فى انتفاضة الحجارة التى تفجرت فى نهاية ١٩٨٧ودامت لسنوات، ثم انتفاضة الأقصى فى٢٠٠٠ التى أجبرت إسرائيل على الانسحاب من غزة وتفكيك المستوطنات القريبة منها فى سابقة هى الأولى من نوعها فى ٢٠٠٥، وعبر السنوات تكررت المواجهات بين إسرائيل وفصائل المقاومة فى غزة والضفة مع صعود واضح فى قدراتها كما تأكد من عملية طوفان الأقصى، التى مثلت نقلة نوعية فى هذه القدرات أثبتها صمودها حتى الآن وقدرتها على إلحاق خسائر موجعة بإسرائيل، ناهيك بعجزها الواضح عن تحقيق أهدافها المتمثلة فى تحرير الأسرى والرهائن واجتثاث المقاومة طيلة ٥ أشهر تكتمل بنشر هذه المقالة رغم الدعم الأمريكى المطلق عسكريًا وسياسيًا، لكن ثمة من يرى أن حصاد المقاومة الفلسطينية عمومًا وجولتها الأخيرة خصوصًا لا يعدو أن يكون مزيدًا من قتل الفلسطينيين وتدمير مقومات حياتهم دون جدوى، بدليل أن إسرائيل تنتصر فى النهاية،
وهذا ينقلنا للملاحظة الثالثة. فى الملاحظة الثالثة أُحاول إثبات أنه ليس صحيحًا أن المقاومة عبث وأن الخط البيانى للمشروع الصهيونى صاعد، وأن العكس هو الصحيح، وقد تصدق مقولة الصعود المنتظم لهذا المشروع على المرحلة التى اكتملت بعدوان ١٩٦٧، غير أننى أطرح مقولة مناقضة مفادها أن انتصار إسرائيل فى ١٩٦٧ كان نقطة الذروة فى مشروعها، وأنه ليس صحيحًا أن إنجازات المشروع الصهيونى لا تتعرض لانتكاسات،
ولنبدأ من البداية، فقد كان انتصار إسرائيل فى عدوانها ١٩٦٧هو نقطة البداية فى الصحوة المصرية والعربية التى تجلت فى حرب الاستنزاف المصرية وحرب أكتوبر التى مثلت ذروة المعادلة الناجحة للأمن القومى العربى، وانتهت بتحرير سيناء، وأخفق الغزو الإسرائيلى للبنان ١٩٨٢فى ربطه باتفاقية ١٩٨٣التى ألغيت بعد أقل من عام أمام الرفض الشعبى والاعتراض السورى، وأُجبرت إسرائيل لاحقًا على الانسحاب من جنوب لبنان فى ٢٠٠٠ بفعل المقاومة اللبنانية المسلحة، واعترفت بمنظمة التحرير الفلسطينية بموجب اتفاق أوسلو ١٩٩٣كممثل للشعب الفلسطينى بعد أن كانت تعتبرها كيانًا إرهابيًا، ولا تعترف بوجود الشعب الفلسطينى أصلًا تطبيقًا لفكرة شعب بلا أرض (أى اليهود) لأرض بلا شعب (أى فلسطين)، ولم تستمر العلاقات الموريتانية -الإسرائيلية التى أُسست فى ١٩٩٨بفعل الضغط الخارجى لأكثر من عقد، حيث قُطعت عقب العدوان الإسرائيلى على غزة ٢٠٠٩/٢٠٠٨، وأُجبرت إسرائيل كما سبقت الإشارة على الانسحاب من غزة وتفكيك المستوطنات القريبة منها فى ٢٠٠٥، وفشلت كل محاولاتها اللاحقة لكسر هذه المقاومة، بل على العكس تمامًا فإن متابعة منحنى تطور المقاومة الفلسطينية يشير إلى صعودها عبر الزمن وصولًا إلى لحظة «طوفان الأقصى».
ليس صحيحًا إذن أن منحنى المشروع الصهيونى فى صعود مطلق، وأن إرادته مطلقة ومخططاته نافذة كقضاء الله، وبالتالى فإذا كانت نواياه تجاه تصفية القضية الفلسطينية أكيدة فإن قدرته على تجسيد هذه النوايا ليست كذلك، فهذه القدرات التى لا يُستهان بها وبقدرات حلفائه بقيادة الولايات المتحدة تعجز حتى الآن بعد ٥ أشهر من القتل والتدمير عن إخضاع الشعب الفلسطينى، بل ويتعرض الكيان الإسرائيلى حاليًا لاهتزازات حقيقية تفتح الباب لكل الاحتمالات، وسوف تأخذ الأمور منحىً مختلفًا جذريًا لو نجح الفلسطينيون فى استعادة وحدتهم الوطنية، وهذه قضية تحتاج اهتمامًا خاصًا.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية