تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
المدخل العربى للتسوية
أتاحت فعاليات المنتدى الاقتصادى العالمى - الذى انعقد أخيرا بالرياض - الفرصة مجددًا للحديث عن الجهود الأمريكية لإنجاز التطبيع بين السعودية وإسرائيل كأساس وفق اعتقاد الإدارة الأمريكية لسلام واستقرار حقيقيين فى المنطقة، وهو منطق يمكن تفهمه فى ضوء الموقف السعودى المعلن الواضح بأن ذلك التطبيع لا يمكن أن يحدث حتى تنسحب القوات الإسرائيلية من غزة!
ويتم التوصل إلى اتفاق بشأن إقامة دولة فلسطينية، أى أنه لا تطبيع بدون حل للقضية الفلسطينية، وهو ما يتسق مع نص وروح المبادرة العربية التى تبنتها قمة بيروت ٢٠٠٢، والتى كان صاحبها بالمناسبة الأمير عبدالله بن عبدالعزيز عندما كان وليًا لعهد السعودية آنذاك، ويصر المسئولون السعوديون فى تصريحاتهم على هذا المعنى لأنهم يدركون أنه لا سلام ولا استقرار دائمين دون حل القضية الفلسطينية!
وكان فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودى قد حذر فى مؤتمر ميونِخ للأمن فى فبراير الماضى من أن الانفجار القادم سوف يكون أسوأ مما حدث فى ٧ أكتوبر إذا استمر الحال على ما هو عليه.
وقد صرح أنتونى بلينكن وزير الخارجية الأمريكية فى حلقة نقاشية فى المنتدى يوم الإثنين الماضى بأن الولايات المتحدة والسعودية قامتا بعمل مكثف معًا الشهر الماضى بشأن التطبيع بين السعودية وإسرائيل، وأن العمل فى هذا الاتجاه من المحتمل أن يكون قريبًا جدًا من الاكتمال، فما هى التوقعات بشأن مستقبل هذا المسار وانعكاسه على القضية الفلسطينية؟ لنبدأ القصة من أولها.
من المعروف أن الغالبية العظمى من الدول العربية قد عارضت نهج الرئيس أنور السادات فى التسوية مع إسرائيل، وما ترتب على ذلك من قطيعة عربية - مصرية شبه كاملة استمرت قرابة عقد من الزمان، مع أن الدول العربية ركبت قطار التسوية بعد٣سنوات فحسب من المعاهدة المصرية - الإسرائيلية، واتخذ ذلك شكل موافقة قمة فاس١٩٨٢على مبادرة الأمير فهد بن عبدالعزيز (ولى عهد السعودية آنذاك)، وكانت تؤسس لسلام عربي-إسرائيلى بضمانات من مجلس الأمن شريطة استجابة إسرائيل للمطالب العربية المعروفة، وعلى رأسها الانسحاب من الأراضى المحتلة وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية!
ولأن إسرائيل لم تُعر هذه المبادرة التفاتًا فقد تقدم الأمير عبدالله بمبادرته بعد٢٠سنة من مبادرة فاس، والتى انطوت على مغريات أكثر لإسرائيل كى تستجيب للمطالب العربية تمثلت فى إحلال التطبيع الكامل للعلاقات بين جميع الدول العربية وإسرائيل محل ضمانات السلام من مجلس الأمن التى نصت عليها مبادرة فاس، وها قد مرت٢٢سنة أخرى على المبادرة العربية دون أدنى استجابة إسرائيلية!
واعتبارًا من٢٠٢٠بدأت مرحلة تطبيع بين عدد من الدول العربية وإسرائيل بغض النظر عن القضية الفلسطينية، وأصبح نيتانياهو بعد ذلك يركز على أن حل القضية الفلسطينية سوف يتم من خلال استكمال عملية التطبيع مع الدول العربية الكفيلة وحدها بجلب السلام والاستقرار للمنطقة، وهو ما يشى بالإصرار على تصفيتها، وبعد ذلك أخذت السعودية تحاول إعادة قطار التطبيع إلى قضبان المبادرة العربية باشتراط أن يكون تطبيع علاقتها مع إسرائيل مرتبطًا بحل القضية الفلسطينية وبالذات من خلال إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية!
وبدا أن هذا المسار فى طريقه للاكتمال إلى أن تفجر «طوفان الأقصى» فى ٧ أكتوبر الماضى، وأزاح قضية التطبيع إلى الخلف بطبيعة الحال لحساب وقف العدوان الهمجى الإسرائيلى على غزة وأهلها، وهاهو حديث التطبيع الإسرائيلي-السعودى يعود مجددًا، وكأنه يمثل مخرجًا من الوضع المأساوى الراهن فى غزة، فما هى فرص النجاح هذه المرة؟
أعتقد أن هناك خمس ملاحظات ينبغى أن تؤخذ فى الاعتبار عند الإجابة عن هذا السؤال:
ويجب أن تأخذنا الملاحظة الأولى مباشرة إلى السبب فى عدم ترجمة كل من مبادرة فاس ١٩٨٢والمبادرة العربية ٢٠٠٢ رغم اعتدالهما، وبالذات المبادرة العربية، على أرض الواقع، والسبب الذى لا يمكن أن تخطئه عين هو الطابع الإقصائى للمشروع الصهيونى الذى لا يتصور أصلًا كيانًا فلسطينيًا مستقلًا سوف يمثل من وجهة النظر الصهيونية خطرًا وجوديًا على إسرائيل، فما بالنا وحكامها حاليًا يمثلون أقصى حالات إسرائيل تطرفًا، ويكفى التذكير بموقف نيتانياهو من الدولة الفلسطينية والاعتزاز بدوره فى إجهاضها، ويعنى هذا ألا أمل فى نجاح المسار الحالى طالما هو فى الحكم، أما الملاحظة الثانية فتشير إلى تداعيات المواجهة الحالية، والتى يبدو أنها حدثت فى اتجاهين متضادين أولهما لمصلحة القضية الفلسطينية، بما أثبتته من صلابة الفلسطينيين شعبًا ومقاومة رغم خسائرهم الكارثية، وما أدت إليه من اتساع دوائر التأييد للقضية عالميًا، والثانى لغير مصلحة التفاهم بينهم وبين الإسرائيليين بحكم ما أكده السلوك الإسرائيلى من تطرف وغلٍ فى الانتقام من الفلسطينيين، وفى الملاحظة الثالثة يبرز العامل الأمريكى، وله فى هذه العملية تأثيران، الأول يتعلق بإنجاز الاتفاق الثنائى الذى تريده السعودية، ولا أعتقد أن ثمة مشكلة فيه، والثانى يتعلق بدور الإدارة الأمريكية كوسيط، وهنا لابد من التحذير من التداعيات السلبية المحتملة للانحياز الأمريكى لإسرائيل على مضمون الاتفاق، وهو انحياز ندعو الله أن يعين السعودية عليه، وتشير الملاحظة الرابعة إلى معضلة التفاصيل التى يتخفى فيها الشياطين عادة، بمعنى التوصل إلى صيغ مراوغة تسمح لاحقًا بالتنصل من الاتفاق أو الالتفاف عليه، ولا ننسى أن اتفاقية كامب ديڤيد الثانية ١٩٧٨قد نصت على حكم ذاتى للفلسطينيين انسحبت مصر من مفاوضاته بعد أن أدركت أن المفهوم الإسرائيلى له ليس سوى تجميل للاحتلال، وكذلك ما فعلته إسرائيل باتفاق أوسلو، وأخيرًا فإن أى اتفاق يتم التوصل إليه حتى ولو كان جيدًا سوف يكون بلا قيمة إذا استمر الانقسام الفلسطينى، وهو قضية القضايا التى تحتاج نقاشًا تفصيليًا.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية