تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
آفاق الحوار الوطنى
شَرُفْت بحضور الجلسة الافتتاحية للحوار الوطنى يوم الأربعاء قبل الماضى، حيث بدت الأمور من بدايتها باعثة على الأمل فى نجاح الحوار، فكما قال الأستاذ ضياء رشوان المنسق العام للحوار فى كلمته بدا أن الأمة كلها ممثلة فى هذه الجلسة!
وبالتأكيد فإن هناك من لم يكن حاضرًا، ولكن المهم أن السبب فى الغياب لم يكن الاستبعاد وإنما تقدير من غاب أن ثمة شروطًا لم تكتمل لنجاح الحوار، غير أنه من الواضح أن هذا الموقف يمثل وجهة نظر أقلية، والفضل فى كونها كذلك يرجع إلى الجهود الحقيقية التى بذلها منظمو الحوار لبناء الجسور بين القوى ووجهات النظر المختلفة، ولهذا دلالته الإيجابية دون شك، وقد بدأت الجلسة بكلمة الرئيس التى شدد فيها على مسعى تأسيس دولة ديمقراطية حديثة، لافتًا إلى أن تعاظم التحديات يعزز ضرورة الحوار، ومعربًا عن تطلعه لأن يكون شاملًا وفاعلًا وحيويًا وجامعًا لكل وجهات النظر، مؤكدًا مبدأ أن الاختلاف فى الرأى لا يفسد للوطن قضية، بل إن التنوع والاختلاف فى الرؤى، وفقًا للرئيس ـ يعززان بقوة من كفاءة المخرجات المنتظرة من الحوار، وأكد دعمه المستمر للحوار والمشاركة فيه فى مراحله النهائية،
وفى الكلمة التالية قدم المنسق العام للحوار شرحًا مقْنِعًا للسبب فى تأخر الحوار الوطنى نظرًا للحرص على فتح كل الأبواب المغلقة والقنوات المسدودة وبناء كل الجسور المقطعة، وأوضح أنه لا خطوط حمراء فى الحوار سوى الدستور، ولا استبعاد من الحوار إلا لمن مارس العنف أو حرض عليه، كما أكد المستشار محمود فوزى رئيس الأمانة العامة للحوار الوطنى مراعاة التوازن بين جميع التيارات السياسية فى تشكيل لجان الحوار، ومشاركة الشباب والمرأة، وتحديد القضايا المقرر مناقشتها بناء على رغبة المواطنين، معبرًا عن إنجازات منظمى الحوار فى أرقام تُبرز الجهود التى بُذِلت والنتائج التى تحققت فى التمهيد للحوار،
ثم أُلقيت كلمات كان أبرزها كلمتا السيد عمرو موسى والدكتور حسام بدراوى، وعدد من رؤساء الأحزاب، كما عُقِدت ضمن فعاليات الافتتاح ندوتان مهمتان أدار أولاهما المستشار محمود فوزى والثانية الأستاذ ضياء رشوان..
ولا شك فى أن سؤال الساعة الذى يشغل الرأى العام هو آفاق الحوار، بمعنى ما الذى يمكن أن يحققه فى مواجهة التحديات الجسام التى تواجه الوطن فى الوقت الراهن، وليست هذه هى المرة الأولى التى تلجأ فيها القيادة المصرية إلى الحوار كما أشار عدد من المتحدثين، فلدينا تجربة المؤتمر الوطنى للقوى الشعبية١٩٦٢بعد انفصال سوريا عن مصر، والحوار الوطني١٩٧٤بعد حرب أكتوبر، وكذلك فى ١٩٩٤عقب تحولات إقليمية وعالمية عميقة، ولا يسمح حيز المقالة بنظرة معمقة لهذه التجارب وما آلت إليه، وإن كان الأستاذ ضياء رشوان قد حرص على إبراز ما تتميز به التجربة الحالية عما سبقها، وأعتقد أن الباحثين سوف يتوقفون طويلًا أمام ملابسات هذه الخبرات الماضية ودلالاتها ونتائجها،
والمهم الآن هو السؤال الذى يشغل الرأى العام عن الآفاق التى يمكن أن يصل إليها الحوار ونتائجه، وأنا بطبعى متفائل بحساب، بمعنى أن الحوار يمثل دون شك فرصة، وقد تعهد الرئيس بتوفير كل الضمانات لنجاحه، ومن الواضح أن أغلبية القوى السياسية تتشارك فى أمل نجاح الحوار فى طرح بدائل للخروج من الأزمات الراهنة، سواء كان هذا الأمل موجودًا منذ البداية، أو جاء بعد مناقشات مُعَمقة كان بعضها عسيرًا مع منظمى الحوار، وهو دليل جدية دون شك،
ومن ناحيتى تفاءلت بالجلسة الافتتاحية وأشرح أسبابى وأُلخصها فى سببين، يخص أولهما الرئيس ومنظمى الحوار، والثانى القوى السياسية المشاركة فيه، فالرئيس هو الذى دعا ووعد بتوفير كل الضمانات التى ظهرت مؤشرات منذ البداية على جديتها، كما بدا من تشكيل مجلس الأمناء واختيار مسئولى المحاور الثلاثة للحوار ومساعديهم، وكذلك رؤساء اللجان الفرعية ومساعديهم، ولابد من تكرار الإشارة إلى حرص المنظمين على إقناع أكبر عدد ممكن من القوى السياسية المتحفظة على المشاركة بتغيير موقفها، وأعتقد أنهم نجحوا فى ذلك على نحوٍ مُرْضٍ، غير أن السبب الثانى لتفاؤلى لا يقل أهمية إن لم يكن أهم، وهو موقف المشاركين فى الحوار، وأتخير فى هذا الصدد تحديدًا كلمتى السيد عمرو موسى والسيد فريد زهران، وأشد ما لفتنى فى كلمة السيد عمرو موسى هو نهجها المتوازن، فقد تحدث عن الإنجازات ومصادر القلق معًا، وقد بدأ بالأخيرة وحددها فى التساؤل عن الأولويات والديون والحريات وضماناتها والاستثمار وتراجعه ومسئولية البيروقراطية فى هذا الصدد والتضخم والأسعار ومجانية التعليم وجودته والحبس الاحتياطى، ثم حدد الإنجازات بدقة ولخصها فى إنجازات البنية التحتية ومواجهة العشوائيات، وإن لفت إلى عدم اكتمالها، والنجاح فى مواجهة خطر الخلط المخيف بين السياسة والدين، والدعوة لتجديد الخطاب الدينى، وإعلاء قيم المواطنة، وتأهيل سيناء وفتحها للمواطنين، والتقدم بالمرأة المصرية والشباب،
وأحسب أن هذا النهج هو الكفيل بإنجاح الحوار، لأن بعض فصائل المعارضة تعتقد أن إخلاصها لقضيتها يتمثل فى الحديث عن السلبيات فقط وتجاهل الإيجابيات تمامًا، وأعتقد أن النهج المتوازن الذى اتبعه السيد عمرو موسى هو الكفيل بتسهيل التوصل لكلمة السواء المنشودة، أما السيد فريد زهران فقد أعجبنى فى كلمته أنها انطوت على معنى عدم الرضا الكامل عما تم توفيره من ضمانات لنجاح الحوار، ومع ذلك فقد شارك لأنه لا يريد أن يُقال أن طاقة قد فُتِحت ولم تتم الاستفادة منها، وأعتقد أنه بهذه الروح يمكن بناء المزيد من الجسور وتقوية ما هو قائم منها وتوسيع القواسم المشتركة وإنجاح الحوار، وفى المقالة المقبلة بإذن الله أعرض لبعض الملاحظات على ضوابط الحوار ومآله.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية