تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > د. أحمد سيد أحمد > مصر والصين .. شراكة استراتيجية متميزة

مصر والصين .. شراكة استراتيجية متميزة

تتميز العلاقات المصرية ـ الصينية بالشراكة الإستراتيجية المتميزة والمتشابكة على جميع الأبعاد السياسية والاقتصادية والعسكرية الثقافية، التى تنبع من القواسم المشتركة بينهما وامتلاكهما لتاريخ وحضارة عريقة تمتد لآلاف السنين، وكذلك من المصالح المشتركة والفرص الكبيرة التى يمكن توظيفها لمصلحة شعبى البلدين، وكذلك من توافر الإرادة السياسية لدى قيادة البلدين فى تطوير تلك العلاقات بشكل مستمر، كذلك من الإطار المؤسسى الذى يحكم تطور تلك العلاقة بشكل منتظم.

وقد شهدت العلاقات المصرية ـ الصينية طفرة كبيرة فى السنوات الأخيرة خاصة فى عهد الرئيس السيسى واتجاه مصر شرقا، وفى إطار فلسفة السياسة الخارجية المصرية القائمة على تنويع الشراكات الاقتصادية والإستراتيجية مع كل، الدول، والاستفادة من المزايا النسبية التى تتمتع بها الاقتصادات الكبرى خاصة الصين، وفى إطار أيضا دبلوماسية التنمية وهى توظيف علاقات مصر القوية مع كافة دول العالم فى جذب الاستثمارات الخارجية، وتوظيف التكنولوجيا، وفتح أسواق جديدة أمام السلع والمنتجات المصرية. كما أنها تأتى فى سياق انفتاح مصر على كافة الدول الكبرى، وتبنى سياسة الحياد الإيجابى وعدم الانخراط فى الاستقطاب الدولى الحاد حاليا بين القوى الكبرى، فالشراكة المصرية الاستراتيجية مع الصين ليست بديلا عن أو ضد الشراكة الإستراتيجية مع القوى الكبرى الأخرى فى النظام الدولى، فمصر لديها شراكات إستراتيجية وتعاون مع كل الدول بما يعظم المصالح المصرية والتجربة التنموية فى الداخل، وهذا يجسد السياسة الخارجية المصرية الفاعلة والنزيهة فى إدارة العلاقات مع دول العالم المختلفة حتى التى بينها استقطاب أو صراع. لاشك أن العلاقات الدولية تقوم على منطق المصلحة، وليس الأيديولوجيا، فالاقتصاد هو الذى يقود السياسة، وفى هذا السياق تمثل الصين أهمية إستراتيجية لمصر فى ظل تصاعد دورها فى النظام السياسى والاقتصادى الدولى. فاقتصاديا الصين ثانى أكبر اقتصاد عالميا بناتج قومى يتجاوز 19 تريليون دولار، ولديها تجربة تنموية رائدة يمكن الاستفادة منها فى تعزيز التجربة التنموية المصرية، خاصة فيما يتعلق بالمشروعات الصغيرة والمزج بين التكنولوجيا والعامل البشرى، كما إن الصين هى أكبر شريك تجارى لمصر حاليا حيث بلغ حجم التبادل التجارى بينهما 17 مليار دولار فى عام 2023. 2024. كما أن هناك استثمارات صينية متزايدة فى مصر تتجاوز 9 مليارات دولار موزعة فى العديد من المناطق المختلفة منها المنطقة الصناعية الصينية فى محور التنمية فى قناة السويس وفى العاصمة الإدارية الجديدة، وفى مدينة العلمين الجديدة وغيرها، كما تشمل مجالات مختلفة خاصة فى التكنولوجيا والطاقة وصناعة السيارات والمعادن وغيرها. وهذا يعكس الأهمية الإستراتيجية والاستثمارية لمصر بالنسبة للصين، حيث تعد مصر بيئة جاذبة وواعدة للاستثمارات الصينية فى ظل حالة الاستقرار السياسى والأمنى التى تتمتع بها، كما أن مصر تعد بوابة الصين للشرق الأوسط وإفريقيا، ولذلك بدأت الصين توسع من استثماراتها وصناعاتها فى مصر لتلبية احتياجات السوق الإفريقية الواسعة. وفى المقابل تعد الصين بوابة مهمة لمصر فى وسط آسيا، والصين سوق واسعة للمنتجات المصرية. ويجمع البلدين العديد من الأطر الاقتصادية والتعاونية المشتركة، مثل تجمع بريكس الذى يمثل أحد التجمعات الاقتصادية الكبرى فى العالم بل تجاوز مجموعة الدول الصناعية السبع، وهناك تجمع منظمة شنغهاى للتعاون، إضافة إلى مشروع الحزام والطريق الذى يسهم فى زيادة التعاون الاقتصادى بين البلدين. وخلال زيارتى الأخيرة للصين لمست حماسة ورغبة الصينيين الشديدة فى التعاون مع مصر لمكانتها الاقتصادية المتصاعدة فى إطار بحث الدول المختلفة عن التعافى الاقتصادى فى ظل الأزمات العالمية المتتابعة سواء أزمة كورونا أو الحرب الروسية ـ الأوكرانية والتوترات الجيوساسية العالمية.

وسياسيا، فإن التنسيق والتعاون المصرى الصينى يمثل أهمية كبيرة فى تعزيز الأمن والاستقرار الإقليمى، خاصة فى منطقة الشرق الأوسط وتسوية الأزمات والصراعات فى العديد من دول المنطقة. فالصين لديها سجل حافل فى دعم القضايا العربية، خاصة القضية الفلسطينية وحق الفلسطينيين فى إقامة دولتهم المستقلة، ورفض العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة، كما أن السياسة الصينية تتوافق مع السياسة المصرية فى احترام سيادة الدول وعدم التدخل فى شئونها الداخلية، كذلك التسوية السياسية للأزمات والصراعات، إضافة إلى محاربة الإرهاب والفكر المتطرف. ويمكن القول أن تصاعد دور الصين فى النظام السياسى الدولى لامتلاكها كل مقومات القوة الشاملة، يمثل أهمية للدول العربية، فالتحول إلى النظام الدولى متعدد الأقطاب، يكون للصين دور بارز فيه، يمثل مصلحة مصرية وعربية، فى تحقيق التوازن والاستقرار فى العلاقات الدولية التى شهدت اضطرابا كبيرا خلال السنوات الماضية جراء النظام الدولى أحادى القطبية وسياسة العسكرة التى أدت لاندلاع العديد من الصراعات والحروب فى العالم.

وعسكريا وأمنيا، هناك تعاون كبير بين مصر والصين، حيث أجرت الدولتان أخيرا مناورات عسكرية مشتركة لتبادل الخبرات العسكرية والفنية بينهما وتعزيز جهوزية وكفاءتهما العسكرية، كما يعكس حرص البلدان على التعاون فى مواجهة التحديات والمخاطر المشتركة خاصة التهديدات المتزايدة ضد الملاحة والتجارة الدولية.

الشراكة الاستراتيجية المصرية ـ الصينية متجذرة ومتطورة، وتمثل نموذجا مهما فى إدارة العلاقات الدولية القائمة على المصالح المشتركة والمنافع المتبادلة، وفق مبدأ الكل رابح فى التعاون، بينما الكل خاسر فى الصراع، وتجسد دور مصر والصين فى تعزيز نموذج الاعتدال والتنمية فى العلاقات الدولية فى مقابل نماذج الهدم وإشعال الحرائق والتوترات التى تتبناها بعض الدول الأخرى.
 

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية