تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > د. أحمد سيد أحمد > سوريا فى المنظورين الأمريكى والإسرائيلى

سوريا فى المنظورين الأمريكى والإسرائيلى

تتباين المقاربتان الأمريكية والإسرائيلية بشأن سوريا الجديدة بقيادة أحمد الشرع, حيث تتقاطعان فى بعض الأمور، وتختلفان بشأن مستقبل سوريا ووضعها الإقليمى والدولي.

فأمريكا وإسرائيل يجمعهما هدف مشترك هو منع عودة النفوذ الإيرانى فى سوريا, والذى اعتبرته إسرائيل تهديدا لها، فيما يعرف بمحور المقاومة, وكان سقوط نظام بشار الأسد المتحالف مع إيران وتقليص نفوذ الميليشيات الإيرانية فى سوريا, إضافة إلى الضربات التى وجهتها إسرائيل لحزب الله فى إطار تداعيات عملية طوفان الأقصي, أحد الإنجازات التى يتباهى بها نيتانياهو.

فى المقابل فإن أمريكا أيضا لها مصلحة فى نزع سوريا من معسكر روسيا الذى يضم أيضا الصين وكوريا الشمالية، وبالتالى كانت هناك مصلحة أمريكية وإسرائيلية فى إسقاط نظام بشار الأسد وتقليص النفوذ الإيراني.

فى المقابل تتباين مقاربة البلدين فيما يتعلق بمستقبل سوريا, فإدارة الرئيس ترامب, تريد نقل سوريا إلى المعسكر الغربي، أو على الأقل عدم عودتها للتحالف مع إيران وروسيا والصين, كما أنها تريد إدماج سوريا فى المجتمع الدولي, أيضا لديها مصلحة فى عدم تحول سوريا إلى دولة فاشلة، لأن ذلك من شأنه أن يمثل تهديدا للاستقرار فى المنطقة، ويسهم فى عودة داعش والتنظيمات الإرهابية مرة أخري.

واتخذت أمريكا خطوات مهمة فى هذا الاتجاه, كان أبرزها لقاء الرئيس ترامب مع الرئيس أحمد الشرع فى الرياض فى مايو الماضى بدعم ورعاية من السعودية والأمير محمد بن سلمان, حيث كان للسعودية دوا مهم فى دعم سوريا الجديدة وفى الانفتاح الغربى عليها,

وقد انعكس ذلك فى رفع أمريكا بعض العقوبات عن سوريا, وفتح قنوات اتصال مع النظام السوري, كذلك تزايد الانفتاح الأوروبى على سوريا, والذى انعكس فى لقاءات المسئولين الأوروبيين مع الشرع، وعلى رأسهم الرئيس ماكرون, وقرار الاتحاد الأوروبى برفع العقوبات عن سوريا,

وهذا الانفتاح يعود إلى مصلحة أوروبا فى أن تكون سوريا بلدا قويا سياسيا واقتصاديا، لأن هذا من شأنه ان يساعد فى عودة ملايين اللاجئين السوريين فى أوروبا إلى بلدهم. إضافة إلى بدء تدفق الاستثمارات الخليجية على سوريا, وهذا الدعم العربى والخليجى يستهدف مساعدة سوريا على تجاوز تحديات المرحلة الانتقالية وعودتها إلى محيطها الطبيعى وهو المحيط العربي.

أما المقاربة الإسرائيلية, فإنها تستهدف إبقاء سوريا دولة ضعيفة ممزقة تعانى الانقسامات الطائفية والعرقية, باعتبار أن ذلك من وجهة نظرها سيمنع تحول سوريا إلى مصدر تهديد لأمنها فى المستقبل, ولذلك قامت إسرائيل عقب سقوط نظام بشار الأسد, بتدمير أكثر من 80% من القدرات العسكرية السورية, البرية والبحرية والجوية, مستغلة حالة السيولة التى عاشتها عقب الإطاحة ببشار الأسد, ثم استمرت فى عدوانها وغاراتها على المواقع العسكرية السورية, وتوغلت إلى داخل الأراضى السورية, سواء فى الجولان أو قرب دمشق متجاوزة اتفاقية فض الاشتباك فى 1974, حيث تسعى إسرائيل لفرض واقع جديد يقوم على اقتطاع المزيد من الأراضى السورية.

وكشفت أحداث محافظة السويداء الأخيرة والتوتر بين الدروز والعشائر السنية فى المحافظة, عن المقاربة الإسرائيلية فى إضعاف سوريا, حيث قامت الطائرات الإسرائيلية بقصف قوات الجيش السورى فى المحافظة، وقصف مقر رئاسة الأركان السورى وقصر الشعب, تحت زعم حماية الدروز فى سوريا, وهنا تستخدم إسرائيل ورقة الأقليات, خاصة «الدروز» فى ظاهرها الرحمة بحمايتهم لكن فى باطنها العذاب بتوظيفهم لخدمة أجندتها فى تمزيق وتقسيم سوريا ومبررا لعدوانها المستمر, خاصة أن الدروز والأقليات العربية الفلسطينية فى إسرائيل تعانى الاضطهاد وهم مواطنون من الدرجة الثانية.

مصلحة أمريكا البرجماتية أن تكون سوريا بلدا موحدا ومزدهرا وترفض تقسيمه عرقيا وطائفيا, لتحقيق مصالحها وأهدافها فى المنطقة، ولذلك مارست ضغوطا حقيقية على حكومة نيتانياهو لكبح ووقف عدوانها على سوريا, وهو ما انعكس فى نجاحها فى اتفاق وقف إطلاق النار بين سوريا وإسرائيل وتسليم السلاح فى السويداء.

أصبحت سوريا والشعب السورى يئن بين سندان الانقسامات الطائفية والعرقية وبين مطرقة التدخلات الإسرائيلية والعدوان المستمر, وهو ما يشكل تحديا كبيرا أمام إقامة سوريا الجديدة.


الخروج من هذه الدوامة يتطلب:

 أولا: تقوية المناعة الداخلية السورية, عبر تعزيز التوافق المجتمعى والحوار بين كل أبناء الشعب السوري, وتكريس نظام ديمقراطى يقوم على مفهوم المواطنة والبوتقة السورية التى ينصهر فيها الجميع والقائمة على المساواة فى الحقوق والواجبات، بغض النظر عن الاختلافات العرقية والطائفية واللغوية، التى يجب أن تكون عامل ثراء وليس عامل تناحر, والذى ليس فى مصلحة أى طرف بل الكل فيه خاسر.
وفى ذات الوقت تعزيز الدولة الوطنية السورية ومؤسساتها الشرعية، خاصة الجيش والشرطة، ونزع أسلحة كل الميليشيات والخارجين عن القانون.

وثانيا: التحرك الدولى الفاعل لوقف العدوان الإسرائيلى المستمر على سوريا والذى يعوقها عن مسار إعادة بناء الدولة.

وثالثا: تعزيز الدعم السياسى والاقتصادى لسوريا للمساهمة فى استعادة العافية الاقتصادية للبلاد، وبما يساعد فى إعادة اللاجئين والمهاجرين داخليا وخارجيا إلى بيوتهم ومدنهم.

إن سوريا الجديدة, الموحدة والمزدهرة اقتصاديا, لن تبنى إلا بأيدى كل أبنائها, وتحقيق التوافق الداخلى هو الأساس لإعادة بنائها على أسس جديدة، وهو صمام الأمان لإجهاض المخططات الإسرائيلية فى تحويل سوريا إلى دولة فاشلة.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية