تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
ترامب يكسر جمود الأزمة الأوكرانية
يسعى الرئيس الامريكى ترامب إلى كسر حالة الجمود فى الأزمة الأوكرانية فى ظل حالة اللاحسم السياسى واللاحسم العسكرى للحرب منذ ثلاث سنوات, بسبب الدعم الأمريكى والأوروبى المطلق عسكريا واقتصاديا لأوكرانيا بهدف استنزاف روسيا وإبطاء تقدمها وتحقيق أهدافها.
فالتحول فى الموقف الأمريكى يمثل عاملا مهما فى إحداث تغير كبير فى مسار الأزمة وانتقالها إلى مسار التسوية السياسية, حيث هناك ثلاثة دوافع أساسية وراء تركيز الرئيس جهوده من أجل إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية.
أولا: يتعلق برغبة ترامب فى الظهور عالميا كرجل صانع للسلام وإنهاء الحروب، خاصة فى أوكرانيا وغزة, وقد نجحت ضغوطه بالفعل فى التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار فى غزة, ويسعى للتركيز الآن على الملف الأوكرانى لإحداث تقدم حقيقى وإنهاء الحرب, وهذا يرتبط برغبته فى الحصول على جائزة نوبل للسلام.
وثانيا: توجه ترامب نحو تخفيض النفقات العسكرية الأمريكية فى الخارج, حيث يعتبر أن الحرب الأوكرانية استنزفت أمريكا اقتصاديا وعسكريا, ومع ذلك لم تحقق أهدافها فى انتصار أوكرانيا, وهذا جزء من عقيدة ترامب فى السياسة الخارجية القائمة على شعار: أمريكا أولا, ومبدأ الحماية مقابل المال.
وثالثا: سعى ترامب لاستعادة المساعدات العسكرية الأمريكية فى الخارج، وعلى رأسها استعادة الأموال التى قدمتها إدارة بايدن لأوكرانيا, والتى تتجاوز وفقا لتقديرات ترامب, 350 مليار دولار, وذلك عبر توقيع اتفاق المعادن مع أوكرانيا لإعطاء الشركات الأمريكية الأفضلية فى استثمار تلك المعادن النادرة التى تدخل فى صناعات حيوية وإستراتيجية، خاصة أشباه الفلزات واليورانيوم وغيرها.
يعتمد الرئيس ترامب فى إدارته للأزمة الأوكرانية على مقاربة الصفقة, أى العمل بشكل مباشر مع روسيا وأوكرانيا للوصول إلى صفقة لإنهاء الحرب, وفقا لمنطق الواقعية السياسية والأوضاع الميدانية على الأرض ودفع الطرفين لتقديم تنازلات من أجل إنهاء الحرب وكسر حالة الجمود السائدة.
وهنا يعتمد ترامب على التواصل مباشرة مع روسيا لتحقيق تفاهمات معها, حتى وإن تطلب ذلك عدم تنسيق أو موافقة مسبقة من أوكرانيا والأوروبيين, والذين انتقدوا الحوار الأمريكى الروسى المباشر دون مشاركتهم.
وقد أرسل ترامب مبعوثه الشخصى ستيف ويتكوف, الذى يمتلك مهارات وأدوات كثيرة فى إنجاز الملفات, كما حدث فى حرب غزة, إلى روسيا, وعرض الرئيس ترامب مقترحه بهدنة 30 يوما لوقف الحرب الأوكرانية تمهيدا للدخول فى مفاوضات للتوصل لاتفاق سلام نهائى, وهو ما وافق عليها الرئيس الأوكرانى زيلينسكى, بينما أبدت روسيا موافقتها بشروط تتعلق بضمانات لتحقيق السلام الدائم, وعلى رأسها عدم انضمام أوكرانيا لحلف الناتو, والذى كان السبب الأساسى وراء اندلاع تلك الحرب.
أوراق الرئيس ترامب عديدة فى إحداث اختراق حقيقى فى الحرب الأوكرانية,
أولاها: علاقاته القوية مع الرئيس بوتين وإقناعه بوقف الحرب.
وثانيتها: استخدام سياسة العصا والجزرة فى التعامل مع طرفى الأزمة, خاصة أوكرانيا, لدفعهما نحو التسوية السياسية, فأوكرانيا تدرك جيدا أنه بدون الدعم العسكرى والاقتصادى الأمريكى, لن تستطيع مواصلة الحرب أو الصمود أمام روسيا, وهو ما بدت مؤشراته فى تقدم روسيا الكبير فى داخل أوكرانيا, وفى مقاطعة كورسك وحصار القوات الأوكرانية فيها والتى تواجه أوضاعا صعبة دفعت الرئيس ترامب لمناشدة بوتين بالرحمة معهم. وهذا التحول فى الموقف الأمريكى جعل الرئيس زيلينسكى يتراجع عن مواقفه ويبدى لغة تصالحية ومهادنة مع الرئيس ترامب بعد اللقاء العاصف بينهما فى البيت الأبيض, حيث أكد زيلينسكى أهمية العمل مع ترامب لإنهاء الحرب, إضافة إلى أن الأوروبيين لن يستطيعوا بالفعل ملء الفراغ الذى تتركه أمريكا أو تعويض الدعم العسكرى الأمريكى لأوكرانيا, رغم إعلانهم تقديم مساعدات عسكرية لكييف تصل إلى 20 مليار يورو, لكن الأوروبيين خياراتهم محدودة.
وثالثها: أن إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية وحل تلك الأزمة الممتدة منذ سنوات, هى بالفعل بيد واشنطن وموسكو, وهو ما تدركه روسيا جيدا حيث تسعى لإبرام تسوية سياسية مع الولايات المتحدة تشمل ضمانات بعدم انضمام أوكرانيا مستقبلا لحلف الناتو, وتشمل أيضا الإقرار بسيطرتها على المناطق الأربع فى شرق أوكرانيا (جمهوريتى لوجانسك ودونيتسك ومقاطعتى زابوريجيا وخيرسون) باعتبار أنها أراض روسية ولا يمكن التنازل عنها.
لكن فى المقابل هناك تحديات كبيرة تواجه الرئيس ترامب فى سرعة إنهاء الحرب الأوكرانية, وهو ما جعله يعترف بأن تصريحاته السابقة حول قدرته على إنهاء الحرب فى 24 ساعة, كانت بمثابة سخرية, وهذا يعكس حجم التعقيدات الكبيرة فى الأزمة الأوكرانية, وأبرزها دور الدولة العميقة الأمريكية والمجمع الصناعى العسكرى فى تحجيم خطوات ترامب فى إنهاء الحرب لاستفادته اقتصاديا منها, وبسبب النظرة لروسيا كخصم إستراتيجي, إضافة إلى انعدام حالة الثقة تماما بين روسيا وكل من أوكرانيا والأوروبيين, الذين يعارضون منهج الرئيس ترامب فى إنهاء الحرب بدون تقديم ضمانات أمنية لأوكرانيا. كما أن فكرة إرسال قوات حفظ سلام أوروبية لأوكرانيا بعد وقف الحرب قد تلقى معارضة روسية, كذلك التناقض الكبير بين روسيا وأوكرانيا ومعها أوروبا, حول شكل وطبيعة التسوية السياسية, وكلها تحديات يسعى ترامب للتغلب عليها.
إن قطار التسوية فى أوكرانيا انطلق بقيادة ترامب وربما يأخذ بعض الوقت للوصول إلى محطته النهائية, لكن تقدم روسيا عسكريا فى أوكرانيا وكورسك, وتغير السياسة الأمريكية فى عهد ترامب عن عهد بايدن, تدفع فى اتجاه تحقيق اختراق حقيقى للأزمة الأوكرانية بعد حالة الجمود التى سادت خلال السنوات الماضية.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية