تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > د. أحمد سيد أحمد > أمريكا والنيجر.. التوازن بين المصالح والديمقراطية

أمريكا والنيجر.. التوازن بين المصالح والديمقراطية

يسعى الموقف الأمريكي، من أحداث النيجر إلى تحقيق التوازن بين المصالح الأمريكية وبين اعتبارات الديمقراطية، وهو ما جعل السياسة الأمريكية تبدو ضبابية وتمسك العصا من المنتصف، فإدارة بايدن الديمقراطية ــ التى ترفع شعارات دعم الديمقراطية وحقوق الإنسان ــ طالبت بضرورة إعادة النظام الدستورى فى البلاد وإعادة الرئيس المنتخب محمد بازوم إلى السلطة، وطلب الرئيس بايدن بشكل مباشر الإفراج الفورى عن الرئيس بازوم، كما اتصل به وزير الخارجية الأمريكى انطونى بلينكن أكثر من مرة ليؤكد له دعم أمريكا لسلطته الشرعية، وقامت مبعوثة وزارة الخارجية الأمريكية فيكتوريا نولاند بزيارة النيجر والالتقاء ببعض قادة المجلس العسكرى الحاكم لكنها لم تستطع مقابلة الرئيس بازوم، لكنها نجحت فى فتح قنوات اتصال مباشرة مع المجلس العسكرى.

وفى المقابل لم تصف إدارة بايدن ما جرى فى النيجر بأنه انقلاب عسكرى، لأن هذا وفقا للقانون الأمريكي، سيلزمها بفرض عقوبات شديدة على النيجر ووقف كل المساعدات التى تقدمها لها، وهو ما يعكس الرغبة فى حماية المصالح الأمريكية هناك وتتمثل فى محاربة الإرهاب والتنظيمات الإرهابية مثل القاعدة وداعش وبوكو حرام وغيرها، حيث تخشى أمريكا، التى لديها قاعدة عسكرية هناك وبها ألف جندي، من أن انتشار الفوضى فى النيجر سيؤثر سلبا على جهودها فى مكافحة الإرهاب التى تقوم بها قوات أفريكوم، كما تخشى من تداعيات الخيار العسكرى الذى قررته المنظمة الاقتصادية لغرب إفريقيا (إيكواس) فى قمتها الخميس الماضى حينما أعطت الضوء للقيام بعملية عسكرية فى النيجر فى أقرب فرصة ممكنة لاستعادة النظام الدستورى وإعادة الرئيس بازوم إلى السلطة، لذلك أكد بلينكن عقب قرار إيكواس أهمية الخيار السلمى لحل الأزمة فى النيجر، وهو ما يعد تراجعا عن موقف الإدارة الأمريكية السابق الذى دعم تحركات خيارات الإيكواس ومنها خيار العقوبات الاقتصادية، ومن ثم تميل إدارة بايدن إلى المزج بين سياسة العصا والجزرة، أى وقف بعض المساعدات الاقتصادية للنيجر للضغط على المجلس العسكرى للإفراج عن الرئيس بازوم وعائلته، وفى ذات الوقت تبنى سياسة الحوار والتفاوض مع المجلس العسكرى، كما فعلت نولاند، لدفعه على الأقل للإعلان عن خريطة طريقة سياسية لإعادة النظام الدستورى وتشكيل حكومة انتقالية وتنظيم انتخابات رئاسية فى أقرب فرصة، وبالتالى ضمان الولايات المتحدة قنوات اتصال مع سلطة الأمر الواقع فى النيجر للحفاظ على مصالحها، لأن سياسة التشدد مع المجلس العسكرى، كما فعلت فرنسا، ستدفعه للتقارب أكثر مع خصوم أمريكا ومنافسيها فى القارة، خاصة روسيا والصين، فى ظل تنامى نفوذ البلدين فى القارة بشكل عام وفى منطقة الساحل والصحراء بشكل خاص مع تراجع وانحسار واضح لفرنسا فى هذه المنطقة.

أمريكا بعد انسحابها من أفغانستان لن تنخرط عسكريا بشكل مباشر فى أى أزمات أو صراعات أخرى، وإنما ستكتفى فقط بالدعم الاستخباراتى والتقنى، وبالتالى تسعى أمريكا إلى الإحلال محل فرنسا فى النيجر وفى ذات الوقت منع تمدد النفوذ الروسى ووجود قوات فاجنر، كذلك تحجيم النفوذ الصينى هناك، ولذلك تبنت سياسة التوازن فى المواقف وعدم تأييد الخيارات العسكرية، والعمل على ضمان استمرار وجودها العسكرى وجهودها فى مكافحة الإرهاب المتصاعد فى المنطقة والتى تعد أولوية لها، على حساب أولوية الديمقراطية. ولذلك فإن هذا الموقف الأمريكى سيكون عاملا حاسما فى تنفيذ وفاعلية الخيار العسكرى من جانب إيكواس ضد المجلس العسكرى الحاكم، فرغم إعلان فرنسا تأييدها ودعمها للخيار العسكرى حفاظا على مصالحها الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية التى تضررت كثيرا، فإن عدم حصول ايكواس على تأييد الولايات المتحدة سيصعب من مهمة التدخل العسكرى فى ظل تزايد المعارضة الداخلية فى النيجر له، وتزايد الالتفاف الشعبى حول المجلس العسكرى وتزايد المعارضة الإقليمية من جانب دول مجاورة للنيجر مثل الجزائر وتشاد إضافة إلى مالى وبوركينا فاسو اللتين أعلنتا رفضهما الخيار العسكرى واعتبرتاه عدوانا عليهما، مما يهدد بتفجير حرب إقليمية سيكون لها تداعيات سلبية على الأمن والاستقرار فى تلك المنطقة الهشة، كما ستستفيد منه التنظيمات الإرهابية لإعادة ترتيب صفوفها وتوسيع نفوذها وتمددها فى دول الساحل والصحراء وهو ما تخشى منه أمريكا.

أحداث النيجر ومن قبلها أحداث السودان وغيرها شكلت اختبارا حقيقيا لفاعلية السياسة الأمريكية الجديدة تجاه إفريقيا ومحاولة إعادة انخراطها فى القارة مرة أخرى بعد فترات ابتعاد كثيرة، ركزت فيها فقط على الأبعاد الأمنية ومحاربة الإرهاب مما ترك فراغات ملأتها دول منافسة مثل الصين وروسيا، ولذلك شكلت القمة الأمريكية الإفريقية فى ديسمبر الماضى نقطة تحول فى إعادة تشكيل السياسة الأمريكية تجاه القارة، وما إذا كان لها دور إيحابى فى تحقيق الأمن والاستقرار وتحقيق التنمية أم فقط العودة لموازنة النفوذ الروسى والصينى المتزايد.

كما أنها كشفت عن التوظيف السياسى الأمريكى لشعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان، فعندما يحدث تعارض بين المصالح والاعتبارت الديمقراطية فإن الإدارة الأمريكية، أيا كانت جمهورية أو ديمقراطية، تغلب منطق الواقعية السياسية وتغليب المصالح الأمريكية. كما أن أحداث النيجر كشفت أيضا عن محدودية الخيارات الأمريكية فى إفريقيا فى ظل وجود لاعبين منافسين، روسيا والصين، يملكون أوراقا اقتصادية وأمنية أكثر ويوظفون جيدا تزايد الغضب الشعبى تجاه الغرب خاصة القوى الاستعمارية السابقة.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية