تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
الجرائم الإسرائيلية فى غزة .. والمحاكمة الجنائية
استندت قوات الاحتلال الإسرائيلى فى حربها على غزة بعد عملية «طوفان الأقصى» على مبدأ الدفاع الشرعى عن النفس ضد ما تسميه عدوان أو إرهاب الفصائل الفلسطينية فى السابع من أكتوبر الماضى، الذى أدى لمقتل ١٤٠٠ إسرائيلى وأسر ما يقارب 240 رهينة، فى محاولة لتبرير جرائمهما وعدوانها على الفلسطينيين فى قطاع غزة، بينما هى بمثابة جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية تصل إلى حد الإبادة الجماعية.
أولاً: إن مبدأ الدفاع الشرعى عن النفس الوارد فى المادة 51 فى ميثاق الأمم المتحدة، لا ينطبق على حالة إسرائيل، فالمادة تنص على أنه: ليس فى هذا الميثاق ما يضعف أو ينتقص الحق الطبيعى للدول، فرادى أو جماعات، فى الدفاع عن أنفسهم إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء الأمم المتحدة، وذلك إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدولى، والتدابير التى اتخذها الأعضاء استعمالا لحق الدفاع عن النفس تبلغ إلى المجلس فورا. وهنا يتضح أن إسرائيل لم تتعرض لعدوان من دولة أو دول أخرى، وإنما هجمات مسلحة من قبل فصائل فلسطينية مسلحة، كما أن إسرائيل لم تبلغ مجلس الأمن بالتدابير التى اتخذتها إضافة إلى أن المجلس لم يتخذ أى تدابير لتطبيق نظام الأمن الجماعى حيث إن المجلس مستبعد تماماً من هذه الحرب بسبب الفيتو الأمريكى، بل فشل فى مجرد التوصل لمشروع قرار ملزم بشأن هدنة إنسانية لإيصال المساعدات.
كذلك فإن إسرائيل قوة احتلال ولا ينطبق عليها حق الدفاع الشرعى عن النفس أمام المقاومة المشروعة لهذا الاحتلال، حيث أقر ميثاق الأمم المتحدة بحق تقرير المصير للشعوب المحتلة، ونص على مشروعية المقاومة بكل وسائلها السلمية وغير السلمية لإنهاء هذا الاحتلال.
وبالتالى محاولة إسرائيل وبعض القوى الغربية تصوير الأمر، وكأنه حرب ضد الإرهاب، ودعوة الرئيس الفرنسى ماكرون بتشكيل تحالف دولى لمحاربة الإرهاب فى غزة، غير قانونى، لأن هناك فرقا بين الإرهاب والمقاومة المشروعة التى أقرها القانون الدولى، وطالما ان هناك احتلالا فمن حق الشعب الفلسطينى مقاومة هذا الاحتلال.
ثانياً: مبدأ الدفاع عن النفس يتطلب مبدأ التناسب بين الفعل ورد الفعل, وما قامت به إسرائيل فى غزة منذ أكثر من شهر يتجاوز بمراحل مبدأ التناسب مع الهجمات التى تعرضت لها, إلى اتباع سياسة الأرض المحروقة والعقاب الجماعى للشعب الفلسطينى على ما قامت به الفصائل الفلسطينية, وألقت قوات الاحتلال أكثر من 35 ألف طن من المتفجرات على غزة, بما يوازى القنبلتين النوويتين التى ألقتهما أمريكا على هيروشيما ونجازاكى اليابانيتين فى الحرب العالمية الثانية, ويتجاوز ما ألقته أمريكا على أفغانستان عام ٢٠٠١.
ثالثاً: مبدأ الدفاع عن النفس الذى تتذرع به إسرائيل وتدعمها فيه أمريكا والدول الأوروبية، واستهداف مواطنيها المدنيين وهو أمر غير مقبول ومدان، لا يبرر لها هذا العدوان الشامل غير المسبوق والجرائم التى ترتكبها فى غزة، لأن ما تقوم به منذ السابع من أكتوبر الماضى يعد جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية تستوجب المحاكمة الدولية ضد مرتكبى هذه الجرائم أمام المحكمة الجنائية الدولية، حيث تشمل تلك الجرائم استهداف المدنيين والمنشآت المدنية وتدمير أحياء بكاملها واستهداف المستشفيات وإخلاءها بالقوة تحت ذريعة وجود عسكرى لحماس تحتها، واستهداف المدارس ومقار الأونروا وممارسة سياسة التهجير القسرى عبر إستراتيجية تحويل غزة إلى جحيم من خلال القصف الشامل والحصار الكامل ومنع الغذاء والدواء والمياه والكهرباء والوقود وكل مقومات الحياة، لتخيير الفلسطينيين إما بين الموت من القصف والجوع والمرض وإما النزوح القسرى من شمال غزة إلى جنوبها، ثم دفعهم إلى النزوح الجماعى إلى الحدود المصرية، لتنفيذ مخطط توطين الفلسطينيين فى سيناء وتصفية القضية الفلسطينية، وكل هذه الجرائم تعد انتهاكاً صريحاً لاتفاقيات جنيف الأربع لعام ١٩٤٩ وبروتوكولاتها الإضافية لعام ١٩٧٧، وهى ما يستوجب المحاسبة والعقاب أمام المحكمة الجنائية الدولية حتى ترتدع إسرائيل وغيرها.
رابعاً: إن رفع الدعاوى أمام المحكمة الجنائية ضد إسرائيل عبر ثلاث آليات، إما أن يرفع مجلس الأمن الدولى هذه الدعوى وهو أمر مستبعد بسبب الفيتو الأمريكى، وإما أن تقوم دولة عضو فى المحكمة برفع الدعوى، وإسرائيل ليست عضواً ولن تلتزم بقراراتها، وإما أن يقوم المدعى العام للمحكمة برفع تلك الدعوى، وهو أمر تحكمه اعتبارات ومواءمات سياسية.
لكن رغم تلك الصعوبات والتحديات، بسبب الخلل فى النظام الدولى والعدالة الدولية، فإن جرائم إسرائيل فى غزة لن تسقط بالتقادم، وهو ما يتطلب من الفلسطينيين والعرب توثيق هذه الجرائم، سواء الحالية أو السابقة. كما أنه يمكن رفع دعاوى جنائية ضد إسرائيل فى المحاكم الوطنية للدول الأوروبية لملاحقة مرتكبى جرائم الحرب الإسرائيليين.
وبالتزامن مع ذلك استخدام هذه الجرائم فى كشف زيف وادعاءات إسرائيل بالتذرع بالدفاع عن نفسها، كذلك استخدامها فى الحرب الإعلامية والسياسية ضد إسرائيل وتفنيد روايتها عن الحرب، لكسب تعاطف الرأى العام العالمى والذى يمكن أن يشكل ضغطاً حقيقياً على الدول الداعمة لإسرائيل، وعلى رأسها أمريكا وإظهار أنها توفر المظلة الحمائية لإسرائيل فى ارتكاب جرائمها ضد الإنسانية، وهو ما يجعلها منبوذة ومعزولة دولياً. وأخيرا فإن غياب محاسبة إسرائيل على جرائمها فى غزة يعطيها الضوء الأخضر للاستمرار فى تلك الجرائم وتحدى المجتمع الدولى والقانون الإنسانى.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية