تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > د.أحمد زكريا الشلق > بنت الشاطئ: سيرة فذة وحب عميق (1 ــ 3)

بنت الشاطئ: سيرة فذة وحب عميق (1 ــ 3)

الدكتورة عائشة عبدالرحمن بنت الشاطئ أستاذة الأدب العربى والفكر الإسلامى المستنير المتدثر بمسحة صوفية، لها سيرة ذاتية فذة وملهمة، تنطوى على قصة حب راقية لأستاذها الشيخ أمين الخولى، أود أن يقرأها الشباب لما فيها من دروس وعبر ومتعة . وقد ولدت فى نوفمبر عام 1913 بدمياط لأب كان يعمل مدرسا بالمعهد الدينى ، حرص على أن تحفظ القرآن الكريم منذ بلغت الخامسة. ثم التحقت بالمدرسة الابتدائية عام 1920 بالرغم من أن والدها كان يرى أنه لايليق ببنات المشايخ العلماء أن يخرجن إلى المدرسة ، بل يتعلمن فى بيوتهن، ولهذا وافق مشترطا أن تستمر فى تلقى العلوم الدينية بالمنزل، ثم استطاعت أن تستمر فى التعليم بالاستعانة بجدها لأمها، الذى كان شيخا للأزهر. وعندما حصلت على شهادة البكالوريا – من المنازل – استطاعت أن تعمل بالتدريس ببعض المدارس الحكومية وغيرها، إلى أن التحقت بكلية الآداب بالجامعة المصرية عام 1935، وفيها تتلمذت على يد الأستاذ الشيخ أمين الخولى الذى قدّر لها أن تتزوجه فيما بعد، وأن تنجب منه أبناءها الثلاثة، وقد تابعت دراستها الجامعية فحصلت على الليسانس عام 1939 ، والماجستير عام 1941، ثم الدكتوراة عام 1950 عن تحقيق رسالة الغفران لأبى العلاء المعرى، تحت إشراف الدكتور طه حسين.

 

وقد انتهى بها التخصص إلى دراسة النص القرآنى على منهج الشيخ أمين الخولى ، فيما سمته هى التفسير البيانى للقرآن، وهو منهج لايجيز تناول موضوع قرآنى أو ظاهرة أسلوبية فيه إلا بعد تدبر سياقها فى القرآن كله. وفى هذا المجال أنجزت العديد من الكتب المعروفة، التى من أهمها الإعجاز البيانى للقرآن عام 1971. وقد تدرجت فى العمل بالسلك الأكاديمى حتى تولت رئاسة قسم اللغة العربية وآدابها فى جامعة عين شمس خلال الستينيات من القرن الماضى. ومنذ عام 1970 أصبحت أستاذة للتفسير والدراسات العليا بجامعة القرويين فى المغرب حتى نهاية حياتها.

وعلى مدى سنوات عمرها الأكاديمى شاركت بأبحاثها فى مؤتمرات علمية عديدة منها مؤتمر المستشرقين بالهند عام 1964، ومؤتمر السنة النبوية والسيرة بالأزهر عام 1985. ومن المعروف أنها كانت على علاقة مبكرة بالصحافة فكتبت مقالات وقصائد وقصصا قصيرة نشرت فى مجلة النهضة النسائية، وفى صحيفتى البلاغ وكوكب الشرق، ثم انضمت إلى أسرة تحرير الأهرام التى نشرت فيها مقالاتها عن الفلاح والريف المصرى، أصدرتها فى كتاب عام ١٩٦٣ نالت به إحدى الجوائز. وقد استمرت تكتب فى الأهرام لسنوات طويلة. وفيما يتعلق بتكريمها فقد نالت وسام الكفاءة الفكرية من المغرب عام 1967 ، كما نالت جائزة الدولة التقديرية فى الآداب عام 1973. واختيرت عضوا بالمجلس الأعلى للشؤن الإسلامية إلى أن وافاها الأجل عام 1998.

لقد تركت بنت الشاطئ للمكتبة العربية أكثر من أربعين كتابا معظمها فى تحقيق النصوص والدراسات اللغوية والقرآنية، وهما مجالا تميزها الحقيقى ، كما نشرت من أعمالها الإبداعية مجموعة قصصية نالت بها جائزة مجمع اللغة العربية عام 1953 . ومن أهم دراساتها: التفسير البيانى للقرآن (1969) ومقدمة فى المنهج (1970) وتراجم سيدات بيت النبوة (1987)، فضلا عن تحقيقاتها لكتابات أبى العلاء المعرى، إلى جانب سيرتها الذاتية الفاتنة على الجسر التى صدرت طبعتها الأولى عن دار الهلال (1968) والتى أنشأت تكتبها فور رحيل الأستاذ أمين الخولى (1895 -1966م )، فروت فيها، بعد فصول شيقة عن نشأتها، حياتها معه وفى رحابه، فكانت عملا جميلا عنوانه على الجسر، بين الحياة والموت، سيرة ذاتية سجلتها عقب وفاته مباشرة فى مارس 1966، وتقصد بالجسر ذلك الواقع بين الحياة والموت حيث وقفت حائرة ضائعة فى إثر الذى رحل تطل فتجده ملء الحياة، وتلمح طيفه الماثل فى كل ما حولها من معالم وجودهما المشترك، وتلتفت على الناحية الأخرى من الجسر حيث المصير المحتوم لكل حيّ، وتدرك أنه عبر الجسر قبلها. وتسترجع كيف كان يستوعب الوجود كله فى نظرة ثاقبة وتراه فى بهاء فروسيته وعزة كبريائه وجلال إيمانه مناضلا عن الحق والخير ومحتملا، حتى النفس الأخير، أمانة الإنسان. راحت بنت الشاطئ تحدثنا عن ملعب طفولتها على شاطئ النيل فى دمياط، حيث بيت جدها لأمها الشيخ ابراهيم الدمهوجى الكبير شيخ الجامع الأزهر، المطل على النيل شامخا تضرب أسسه فى ماء النهر، وأمام الدور الأرضى شرفة بعرض البيت تفضى من جانبيها إلى الماء بسلالم حجرية. كان جداها يقيمان فى الطابق الثانى، وكان على أمها أن ترعاهما إلى جانب رعاية بيتها الخاص . وكانت الصبية لاتبرح بيت الجد تلعب على الشاطئ إلى أن يحين المساء بعد أن تعلقت بالبيت الكبير والنهر.

وكانت المدينة عامرة بالمساجد والأضرحة فتضفى على أفق البلد العريق جوا من الجلال الروحى، مما جذب والدها إلى طريق التصوف فأوغل فيه إلى المدى الذى جعله ضاق بالتعليم فى المدرسة الابتدائية، التى نقل منها إلى المعهد الدينى فى جامع البحر. وتزوج والدتها حفيدة الشيخ الدمهوجى الكبير. وعندما ولدت وهبها الوالد للعلم وسماها عائشة تفاؤلا باسم أم المؤمنين.وبالرغم من سعادتها بأن تتعلم مالايتاح لغيرها، فقد ضاقت نفسها بما فرضه عليها والدها من قيود صارمة تحبسها طوال ساعات لتلقى الدروس وحفظها، ثم يلزمها فى ساعات الأصيل حضور مجلسه مع شيوخ المعهد الدينى، بينما كانت صاحباتها يمرحن لاهيات عند شاطئ النهر.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية