تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > د. أحمد زايد > طفولة فى خطر .. الحاجة إلى نموذج جديد للتربية

طفولة فى خطر .. الحاجة إلى نموذج جديد للتربية

الجزء الأول من عنوان المقال هو عنوان الورقة البحثية التي أعددتها لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) قبيل عام ٢٠١١، التي ترتب عليها إجراء بحث كبير حول تنمية القيم عند الأطفال، لم يقدر له النشر حتي الآن، حيث اكتفت اليونيسيف بنشر ملخص مطول له؛ وأجري هذا البحث بفريق عمل تحت إشرافي في مركز البحوث والدراسات الاجتماعية بكلية الآداب جامعة القاهرة.

 

ولقد كان الاهتمام في هذا الوقت منصبا على موضوعين:

الأول هو حجم العنف والمخاطر التي يتعرض لها الأطفال جراء ممارسات كتشغيل الأطفال وختان الإناث وأشكال العنف المختلفة في ممارسات التنشئة الاجتماعية؛

والثاني هو كيفية حماية الأطفال من التطرف بغرس القيم المدنية الحديثة في وجدان الأطفال منذ مراحل النمو الأولى. ولذلك فقد اهتم البحث بتطوير آليات عملية يمكن أن تطبق من قبل المدرسين في المدارس الابتدائية لتنمية قيم الأطفال المدنية مثل الثقة والاحترام والمواطنة..إلخ.

ولقد كانت هذه الممارسات البحثية تعكس نوعا من القلق الذي كان حاضرا آنذاك بشأن الأطفال، وهو قلق يرتبط بالخوف من الآثار السيئة للعنف وسوء الاستخدام، والخوف على الصغار من الوقوع في براثن الثقافة المتطرفة التي كادت تتربع في جسد المجتمع من جراء انتشار الممارسات السلفية والخطاب الديني المتزمت.

ولقد ظل هذا القلق قائما، ودفع مؤسسات بحثية إلى الانشغال بأهمية إعادة النظر في نموذج التنشئة الاجتماعية السائد في البلدان العربية. ولقد كان المركز العربي للطفولة هو الذي تصدى لهذه المهمة.

ففي عام ٢٠١٦/٢٠١٧ كلفني المجلس بإدارة فريق عمل لإجراء دراسة عربية حول التنشئة الاجتماعية، استهدفت البحث عن نموذج جديد لتربية الأطفال. ونشرت الدراسة عام ٢٠١٨، وهي متاحة على موقع المجلس.

كان الهاجس وراء الدراسة التي أجريت في خمس دول عربية (مصر والسعودية وتونس والسودان والعراق) هو أن العالم يتغير بسرعة، وأن نموذج التنشئة السائد في الثقافة العربية الذي يقوم على مفاهيم الطاعة العمياء والخوف وسيطرة الآباء لم يعد صالحا.

وأنه يتعارض مع المعطيات المدنية التي تفرضها قيم المواطنة والمشاركة والتفاعل الخلاق.

ولقد كان فريق البحث والمجلس العربي للطفولة يأملون في التوصل إلى نموذج جديد للتنشئة يقوم على تربية الأمل لبناء إنسان جديد بعقل جديد في مجتمع جديد، يتوافق مع التغيرات المتسارعة التي يشهدها العالم، ويقود المجتمع العربي إلى مستقبل أكثر إشراقا وتنويرا.

وتوصل البحث إلى خطوط عريضة لنموذج جديد للتنشئة يقوم على مبادئ المسئولية الاجتماعية والأخلاقية، والشراكة، وغرس قيم المواطنة، وإثارة الوعي أو إيقاظه لدى الأجيال الجديدة، والعمل على تحقيق أقصى درجات السعادة للأطفال من أجل خلق مواطن إيجابي وفعال.

وبعد الانتهاء من البحث تم إجراء آخر شرفت أيضا بالإشراف على فريق العمل فيه حول المشاركة الاجتماعية للأطفال في حياة الأسرة. وقد اهتم البحث بفتح آفاق للشراكة داخل الأسرة يكون للأطفال نصيب منها.

عاودت قراءة هذه البحوث بعد عشر سنوات تقريبا من العمل فيها. وانتهيت إلى أننا بحاجة إلى مناقشة الموضوع مرة أخرى، ومراجعة أهدافنا وأولوياتنا في عملية التنشئة.

فرغم قصر المدة الزمنية إلا أن مياها كثيرة جرت في النهر، فقد تسارعت وتيرة التغير، وتقدمت تكنولوجيا الاتصال، ودخلت المجتمعات بقوة في عصر الذكاء الاصطناعي، وباتت الأجهزة الإلكترونية وعلى رأسها الهاتف المحمول، باتت صديقة للإنسان، وأصبح الأطفال ينجذبون إليها بشكل مبالغ فيه.

لقد أصبح علماء العلوم الاجتماعية أشد قلقا من هذه التغيرات، ولقد وجهوا بحوثهم إلى الأسرة وإلى دور هذه الأجهزة في تفكيك الروابط الجمعية، وتحويل المجتمعات إلى ذرات مفتتة دون علاقات جمعية عميقة، ووهنت إلى حد كبير وسائل التواصل المباشر، وأصبحت اللغة التي كانت تتدفق في الأحاديث والتعبير عن المشاعر، أصبحت تنداح في صور مكتوبة ومرئية يمر الناس عليها على صفحات التواصل الاجتماعي.

ولقد خلق هذا الظرف شعورا عميقا بالقلق على الأطفال الذين يقضون ساعات كثيرة وهم يتصفحون المواقع الإلكترونية، وهو سلوك قد يتحول مع مرور الوقت إلى حالة يفقد فيها الطفل اهتماماته اليومية ودراسته، كما يهمل المجتمع من حوله بدءا من الأسرة، وينمو بعقل فارغ إلا من أوهام وطموحات هائجة لا تتحقق قط، الأمر الذي قد يتطور في بعض الحالات إلى الإصابة بأمراض جسمانية بجانب الاضطرابات النفسية التي تتخلق عبر هذه التجربة المريرة.

ويدعونا هذا الوضع الذي يحمل في طياته خطرا كبيرا على الأطفال أن نفكر بشكل جدي وعملي في نموذج جديد للتربية، يعمل على إحداث تحول جذري في اهتمامات الأطفال لتتجه نحو الأنشطة الإيجابية المفيدة للنمو الجسمي والعقلي والوجداني.

ذلك أن مكمن الخطر هنا هو أن هذا الانخراط الشديد في العالم الرقمي دون هدف ودون ناظم يعمل على خلق اهتمامات فارغة، ويحول الطفل عن الاهتمامات التي تشكل ذاته ووعيه.

لذا فإن النموذج الجديد يجب أن يعمل على تحويل الأطفال إلى عالم جديد تتشكل فيه اهتمامات مفيدة تأخذها الأسرة والمدرسة والمجتمع بشكل عام مأخذ الجد.

ويمكن أن نحدد بخطوط عريضة أربعة مكونات يجب أن تلتف حولها اهتمامات الأطفال:

المكون الأول، العلم والمعرفة والمهارات، وهذه العناصر تشكل منظومة واحدة مترابطة، فالعلم يولد المعرفة والمعرفة تولد المهارة، والجميع يولد التفكير المنطقي الناقد الذي يسهم في التوجيهات الإيجابية للسلوك. ويشكل هذا المكون القاعدة الأساسية لتكوين الإنسان؛

والمكون الثاني يتمحور حول تطوير الاهتمام بممارسة الرياضة، من حيث أن الانخراط الرياضي يخلق اهتماما راقيا ببناء البدن والأخلاق وتنمية القدرة التنافسية؛

والمكون الثالث يلتف حول الاهتمام بالفنون الراقية، كالموسيقى والفنون التشكيلية، وذلك لتنمية الذائقة الجمالية لدى الأطفال،

 وأخيرا..

الاهتمام بأنشطة غرس القيم المدنية عبر الكلام وإدخال الأطفال في خبرات حياتية تجعلهم أقرب إلى المقارنة وتكوين الاختيارات الفاضلة.

ومن الأمور البدهية في الختام أن نعرف أن كل هذا يجب أن يتم في ضوء سياسة عامة تديرها الدولة ويسهم في تنفيذها فاعلون مختلفون بدءا من المسئولين عن سياسات الاتصالات واستخدام التكنولوجيا وانتهاءً بالأسرة والمجتمع المحلي مرورا بالمؤسسات المدنية والتربوية والإعلامية.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية