تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
المذيع الواعظ
عرفت المجتمعات المعاصرة أدوات الاتصال الإعلامى على أنها وسائل منظمة بطريقة مهنية لخلق اتصال بين الفضاءات العمومية فى الداخل والخارج وبين المواطنين فى حياتهم اليومية. ويهدف هذا الاتصال إلى نقل المعارف والمعلومات والأخبار وما يحيط بها من آراء وتحليلات مختلفة إلى المواطنين، فضلاً عن نقل الفنون المختلفة والأخبار الحقيقية التى تتصل بأحداث يومية عادية. ويفترض أن يكون الهدف الأسمى لهذا النوع من الاتصال هو خلق رابطة وطيدة بين النطاق المؤسسى فى الدولة وبين الحياة اليومية الخاصة للمواطنين، ومن ثم المساهمة فى تحقيق الأهداف العليا للاستقرار والاستمرار، وتأسيس مزاج عام تسكنه الطمأنينة والشعور العميق بالأمن الاجتماعي. ولقد تطورت أدوات الاتصال الجماهيرى بشكل كبير عبر فترة وجيزة من الزمن على أثر تطور تكنولوجيا المعلومات ووسائط التواصل الاجتماعي. لقد أدى هذا التطور إلى تعدد المنصات الإعلامية، (بلغ عدد القنوات التليفزيونية العربية 1394بينما كان العدد فى بداية التسعينات لا يزيد على عشرين أو ثلاثين قناة) وتعدد أهدافها، وطرائقها فى العمل. ولقد ارتبط هذا التطور التقنى الكبير بتطور المهنية والحرفية فى الأداء الإعلامى بحيث أصبح صناعة مثل كثير من الممارسات التى تحولت عبر الزمن إلى صناعة مثل الرياضة والسياحة وأشكال الترفيه المختلفة.
وإذ تتحول وسائل الاتصال الجماهيرى إلى صناعة فإنها تخضع خضوعاً كاملاً للأصول المهنية بما تفرضه من قواعد على تقسيم العمل وطرق الأداء وأخلاقياته. ولعل هذا هو السبب وراء الارتقاء الشديد فى الدراسات الأكاديمية للاتصال الجماهيرى وتقنياته وآدابه ونوعية المعارف والمهارات التى يتطلبها.
ويعتبر دور المذيع أحد الأدوار الرئيسية فى دائرة الاتصال الجماهيرى، فمن خلاله تمر الكثير من الرسائل الاتصالية، وهذه الرسائل ليست من اختراعه أو من فكره، بل هى تتصل بإستراتيجية إعلامية للقناة التى يعمل فيها، وهى إستراتيجية تعكس بالضرورة الأهداف الوطنية العامة لعلميات الاتصال الجماهيرى الذى يطلق عليه فى لغتنا الإعلام. المذيع فى منظومة الاتصال أشبه بالآلة الناقلة التى يديرها رجال آخرون من المخرجين والمصورين والمنتجين..إلخ. وهذه الآلة يجب أن تكون آلة عارفة، ملمة بالكثير من المعارف والمعلومات التى تتصل بالموضوعات التى يتم تناولها فى الحوارات التى يدخل فيها، لكى يكون قادراً على فهم محاوريه، وعلى تصحيح بعض المعلومات إذا اقتضت الضرورة. هذا لا يعنى أن شخصية المذيع تتنحى تماماً، وهذه الشخصية تكون حاضرة فيما تملكه من مهارة فى استخدام لغة الجسد، وفى إدارة الحوار بذكاء وفى التحدث فى حدود الموضوع المطروح، وعدم الخروج عن آداب اللياقة العامة فى الحديث وعدم الاستعلاء، وعدم استدعاء النجومية ..إلخ هذه المهارات التى بها يمكن أن نفرق بين المذيع الناجح والمذيع الغشيم.
وعلى خلفية هذه الصورة المثالية عن عالم الاتصال الجماهيرى، وعن المذيعين وحدود أدوارهم، يمكن أن نقول بقدر من الموثوقية إننا بحاجة إلى مراجعة أساليب الاتصال التى تسود فى بعض قنواتنا الفضائية. فقد تطور فى الإعلام نموذج اتصالى يرتبط بعدد من المذيعيين الذين يظنون أنهم حققوا شهرة كبيرة، وهم يقدمون برامج غالباً ما تشتهر بأسمائهم. ويقوم هذا النموذج على إعطاء الحرية الكاملة للمذيع لكى يسيطر على البرنامج مع قدر كبير من الحرية فى الحديث وبالطريقة التى يراها. يتحول المذيع فيها إلى نجم، ويتحول كل من يعمل معه إلى أداء دور ثانوى بجانب الدور الكبير الذى يقوم به المذيع. وغالباً ما يبدأ المذيع فى سرد أهم الأخبار، ويعلق عليها بالطريقة التى يريد لا بالطريقة التى يجب أن تكتب له، وينتقل من خبر إلى آخر، ومن ضيف إلى آخر، حتى ينتهى باستضافة ضيف أساسى يحاوره بالطريقة التى يريد أيضاً. ولقد نجح بعض المذيعين فى إدارة هذا النموذج بذكاء ومهارة. ولكن البعض مازال بحاجة إلى مراجعة أساليبه وطريقته فى تناول الموضوعات. وقد يكون مفيداً عند هذه النقطة أن أشير إلى بعض الملاحظات التى تكتنف الأداء الإذاعى التليفزيونى لدى البعض. من ذلك على سبيل المثال لا الحصر استخدام لغة الجسد بطريقة مسيطرة أو استعراضية، والحرية الشديدة فى الاسترسال فى الحديث، وفى إبداء الآراء الشخصية، أو معارضة الطرف الآخر فى الحوار بشكل صريح، والمبالغة فى تصوير الأحداث، والاستعلاء على بعض المشاركين فى الحوار وإحراجهم. وإحراج بعضهم بأسئلة قد تبدو وكأنها استجواب، والطريقة التى تصاغ بها العبارات، وعدم الإلمام الكافى بقدر من المعلومات والمعارف حول الموضوع، أو العمل على خلق «ترندات» فى وسائل التواصل الاجتماعى تمنحه شهرة وسطوة. يتحول المذيع فى هذا النموذج وبهذه السلبيات، إلى نجم، أو إلى واعظ يتحدث إلى الناس حديثاً نخبوياً فوقياً، ويخلق لنفسه عالماً من السلطة التى لا يستطيع أن ينازعه فيها أحد، وهو فى كل الأحوال لا يقدم رسالة عامة مهنية حرفية بقدر ما يعبر عن توجهات ذاتية.
ونحن بحاجة إلى أن نتأمل هذا النموذج وأن ندرس آثاره الإيجابية والسلبية، والأسباب التى تجعله يستمر ويتحول إلى نموذج مثالى لما يجب أن تكون عليه البرامج الحوارية حيث يكون الدمج بين متابعة الأخبار من ناحية وإجراء حوارات متقطعة من ناحية أخرى. وأحسب أن النموذج فى حد ذاته لا غبار عليه، ولكن الغبار يتكاثر من الطريقة التى ينفذ بها، والحرية المتزايدة التى تمنح للمذيع لكى يقول فى كل شىء، ولكى يتحدث ما شاء له الحديث، وبالطريقة التى يريد، والجرأة على طرح الآراء وعدم القدرة على إدارة المشاعر والاتجاهات.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية