تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
سيكولوجية عمر بن الخطاب، رضي الله عنه
كان أبوه الخطاب بن نفيل فظا غليظ القلب قليل الحظ من الغناء عريض الحظ من الفظاظة وقسوة القلب، يستجيب للعنف في كل مناسبة، ويبطش في غير موضع، ومن المنطق أن الإنسان إبن البيئة وأن تتشكل سيكولوجية عمر ليكتسب من تلك البيئة القاسية الفظاظة والشدة والعنف، ولكن جاء الإسلام فلطف من عنفه، وصفى شخصه ونقى مزاجه وطيب نفسه، وحال بينه وبين البطش، وزاد من رقة قلبه فجعله يسرع إلى رحمة الضعيف والبر بالفقير والملهوف.
حين أقبلت أخته تريد أن تحول بينه وبين زوجها (سعيد بن زيد، أحد المبشرين بالجنة)، لطمها لطمة أدمت وجهها، وعندما رأى الدم على وجهها، رق لها قلبه، وطلب أن تريه الصحيفة التى كانوا يقرءون منها وعندما قرأ: إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (طه، ١٤)، بلغت أعماق قلبه وملكت عليه نفسه، وذهب إلى محمد صلي الله عليه وسلم، وأعلن إسلامه، وشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.
وعلى الرغم من نعته أنه كان رجلا حديدا جلدا، لكنه لم يكن جبارا ولا متكبرا ولا من المستعلين في الأرض ولا مستغلا لسلطته ونفوذه كامير للمسلمين، فعندما حضره الموت استدعى ابنه عبدالله وقال له اذهب إلى عائشة وقل لها عمر بن الخطاب (ولا تقل لها أمير المؤمنين) يستأذنك أن يدفن بجوار الرسول وابوبكر، فدخل عليها عبدالله وقال لها: عمر بن الخطاب يستأذنك أن يدفن مع صاحبيه، فوافقت، فلما رجع إلى أبيه قال: أبشر بالذي يسرك يا أمير المؤمنين، فإنها قد وافقت، فقال عمر: إذا أنا مت استأذنوا لي من عائشة مرة أخرى، فإنني أخاف أنها وافقت استحياءً مني وأنا حي.
كان موئلا لطيب القلب ورقته، فقد كانت رقة قلبه تبلغ به البكاء، فكان يبكي في غير موطن، بل النشيج في أكثر الاحيان، وكان يجهش بالبكاء كلما قرئت عليه آيات الترهيب من القرآن الكريم أو قرأها، وكانت عيناه تدمعان حين يدرك شدة عيش النبي صلى الله عليه وسلم، وكان كغيره من المؤمنين يمتلئ قلبه وجلا إذا قرأ أو سمع: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُون (الأنفال، ٢).
نعم، قوة الرجل في لينه وعطفه ورأفته بالمستضعفين من الناس وأولي الحاجة، فعندما يبكي الرجل فتأكد أنه بكاء حقيقيا من قلب مفطور موجوع متألم، ونفس حزينة ممزقة، أحست الألم والمرارة والأسى، ولا يبكي الرجل إلا في الشدائد والمحن والمصائب وفقد الأحباب، وقوة الرجل ليست بالهراوة أو بطش يده، لكن في وده وتراحمه ولين قلبه وعطفه.
كان رجلا مليحا جلدا، مهيبا كأعظم ما تكون الهيبة، رقيقا كأشد ما تكون الرقة، متواضعا تواضع كبار الرجال العظام، لم يضع نفسه موضع أمثاله من كبار أصحاب النبي، ولا موضع أوساط الناس، بل موضع الفقراء وذوي الحاجة منهم، فلم يخجل عندما حدث الناس وذكر لهم أنه كان قبل الإسلام ترعية يرعى على أبيه غنيمه، وما كان يلقى من أبيه في عمله هذا إلا كل الشدة والجهد والعناء.
كان من رواد العدل والحق والضمير المتأثم، حين سمع ذات ليلة طفلا يبكي، ومرة ثانية سمعه يبكي، فسأل أمه عن سبب بكاء طفلها، فأجابته جوابا متحرفا، ولكنه سمعه للمرة الثالثة يبكي، فلما ألح على أمه عن سبب بكاءه، أنبأته بانها تهيئة للفطام عن الرضاعة لأن عمر لا يفرض للأطفال من بيت المال إلا حين يفطمون، فجزع عمر جزعا شديدا، وأمر من أذَّن في الناس: لا تعجلوا بفطام أطفالكم فإنا نفرض لأطفالنا منذ يولدون.
شعر وادرك الم الجوع وقسوته، عندما رأى شدة العيش التي نزلت بالمسلمين في عام الرمادة، فأبى إلا أن يشارك الناس الأعظم حظا من الفقر والضيق في شدتهم، فحرم السمن على نفسه وصبرها بالخبز الجاف والزيت، رحمة الله عليك يا عمر، كنت تدعو إلى الاقتصاد وتكف عن الإسراف ولا تسلط أحدا من المسلمين على أحد إلا حفاظا على الدولة الاسلامية.
كان يأخذ بالمشورة، حين قصد الشام انبأه الأمراء بأن الطاعون (طاعون عَمْواس) قد وقع فيها، فاستشار الناس، فاختلفوا، قال قائل: خرجت فيجب أن تمضي، وآخر قال لا تعرض نفسك للتهلكة، وقال عبدالرحمن بن عوف سمعت رسول الله يقول: إذا وقع الطاعون بأرض وانتم فيها فلا تخرجوا منها، وإن لم تكونوا فيها فلا تدخلوها. فعاد عمر إلي المدينة راضيا مطمئنا.
وليس عجبا في قول ابن مسعود: كان إسلام عمر فتحا، وهجرته نصرا، وإمارته رحمة، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: إن الحق على لسان عمر وفي قلبه، وليس غريبا أن يلقب عمر الفاروق، لأنه فرق بين الحق والباطل.
رحمة الله عليك يا عمر ورضي عنك وعلى امثالك ممن وُكِل لهم امر الحكم ورعاية الناس وكلفوا بإدارة شئون البلاد والعباد، وردوا إلى الناس أمورهم.
طبت يا نفس عمر مطمئنة راضية مرضية
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية