تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
مصر لاتنافس أحدا
لم يصدق الأطفال الثلاثة فى إحدى ضواحى غزة المدمرة أنفسهم عندما رأوا دجاجة مذبوحة مرفوعة على يد فرد من العائلة. سعادة الأطفال الغامرة بالدجاجة التى لم يروها أو يتذوقوها منذ سنوات، حتى إن أحدهم سجد لله شكرا على نعمته الكبيرة ، برغم البهجة التى أطلت فى عيون الأطفال من خلال الفيديو الذى انتشر عبر السوشيال ميديا منذ يومين، إلا أن ألما كبيرا يصيب الرائى – إذا تبقت لديه بعض الإنسانية- لأنه سيوقن أن غزة الأبية عانت أسوأ جريمة إنسانية عنصرية قد تتجاوز حدودها محارق الهولوكست، لأن الأخيرة لم توثقها الكاميرات والشاشات وتبث للعالم لحظة بلحظة كما حدث فى غزة.
دفعت غزة ثمنا باهظا بنضال أبنائها ولولا الضمير الإنسانى الذى هز العالم وجعل إسرائيل منبوذة ، ولولا الموقف المصرى الصامد برفض التهجير، وتحمل إتهامات لاحصر لها، وهى تقتطع من قوت شعبها لمساعدة أهلنا فى غزة، ليس منة ولكن هذا دورها وواجبها وقدرها منذ الأزل.
مصر- السيسي- فى إدارتها للملف الفلسطينى ، لم تكن تسعى لمنافسة أحد فى المنطقة، بل لم تلتفت لمحاولات البعض جرها إلى معارك جانبية، فلم تستدرج لأنها كانت ترى النيران التى تلتهم غزة الأبية ، تزداد اشتعالا كلما اقتربت من الخيمة العربية، ليكتمل المشروع الصهيونى، لذا يحسب للقيادة المصرية حرصها على وأد الفتن وتأكيد دور عربى موحد بلا بحث عن زعامة مدعاة، ومنذ متى يمكن التشكيك فى زعامة تاريخيّة لم يختلف عليها يوما؟!.
قدمت مصر نموذجا فى القيادة المتزنة وسط العواصف الإقليمية، فبينما اتجهت بعض الدول إلى الانفعال والتحريض على الحرب، تمسكت القاهرة بثوابت السياسة الهادئة التى تؤمن بأن القوة الحقيقية ليست فى الصوت العالى أو الشعارات الشعبوية، بل فى ثبات الموقف الذى أجبر الرئيس ترامب الذى حلم بالتهجير ورسم مشروع غزة بلا أهلها، على أن يتراجع عن موقفه المنحاز بشدة ويقبل بالطرح المصرى- العربى لتكون القمة الحاسمة فى مدينة شرم الشيخ.
كان الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى يعرف جيدا أن الحل والاتفاق سيواجه محاولات مضنية لإفشاله ، لذا كانت التحركات على مستويات عدة، منها فتح المعابر أمام المساعدات، رغم التعنت الإسرائيلى المتكرر، وجمع الفصائل الفلسطينية على طاولة الحوار، مؤكدا لهم أنه لاوقت للانقسام. فى نفس الوقت كان الضغط مستمرا على رئيس وزراء الكيان بوجود المبعوث الأمريكى للوصول إلى أفضل النتائج.
لم تكن زيارة السيسى إلى الاتحاد الأوروبى فى بروكسل زيارة عابرة، بل كانت استثمارا لتقدير عالمى للرئيس المصرى وموقف القاهرة الثابت تجاه إحلال السلام، والحفاظ على الحق الفلسطينى فى الحياة من خلال حل الدولتين، فالقاهرة كانت ومازالت جسر التواصل بين الشرق والغرب، صوت العقل حين تعلو أصوات البنادق والملجأ الذى تهرع إليه الأطراف فى لحظات الأزمات، فهى توازن بين صرامة الموقف السياسى، ودفء البعد الإنسانى، وهو مايجعلها طرفا لاغنى عنه فى أى مبادرة تتعلق بفلسطين، أو بغيرها من قضايا المنطقة.
إن مايميز الدور المصرى أنه لايسعى للظهور الإعلامى بقدر مايسعى لتحقيق التوازن بين العدالة والواقعية.
مصر تعرف أن السلام الحقيقى لا يفرض بل يبنى، لذلك كان صوتها فى المحافل الدولية ثابتا وواضحا: الحق الفلسطينى غير قابل للمساومة، ولكن طريق نيله يجب أن يكون بالحكمة لا بالدم، خاصة أن الدم الذى يسيل بغزارة هو الدم الفلسطينى.
فى عالم يموج بالصراعات والمصالح الضيقة، تبقى مصرنموذجا للدولة التى تحمل هم الأمة دون أن تتخلى عن عقل الدولة، وتدرك أن بناء السلام لا يكون بالقرارات السريعة، بل بالخطوات الثابتة والمواقف التى لاتتبدل مهما كانت الإغراءات أو المساومات والابتزاز ،
لذا فإن الدور المصرى – الإنسانى والسياسى معا - يرسخ قناعة عميقة بأن القضية الفلسطينية لا تزال حية مادامت مصر تقف إلى جوارها، تحملها بصدق التاريخ وبإرادة لاتعرف الانكسار.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية