تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
عرفت الهوى
لا أستطيع أن أخفى سعادتى وأنا أتابع تجربة مسابقة دولة التلاوة على قناة CBC فى مصر، فهى ليست مجرد مسابقة، بل لحظة استعادة لقيمة روحية وثقافية امتدت فى الوجدان المصرى عبر اكثر من قرن.
لقد كانت التلاوة دائما جزءا أصيلا من الشخصية المصرية، ومن تراثها الذى يفيض خشوعا وجمالا. ففى مصر ظهر الشيخ محمد رفعت، ذلك الصوت الذى كان الناس يترقبون آذان الفجر وآذان المغرب فى رمضان ليستمعوا اليه، وتخشع قلوبهم قبل أن يبدأ يومهم أو يفطروا صيامهم.
وظهر الشيخ عبدالباسط عبدالصمد بصوته الذى وصل إلى كل بيت عربى، والشيخ الحصرى الذى نشر القراءات المتقنة فى العالم، والشيخ المنشاوى بصوته الذى يشبه بكاء الروح، والشيخ مصطفى اسماعيل صاحب الصوت الشجى والاداء البديع الذى جمع بين القوة والرهافة فى آن واحد.
هؤلاء جميعا كانوا رموزا صنعت وجها مضيئا لمصر، وشكلوا جزءا مهما من قوتها الناعمة.
واليوم..
ومع هذه المسابقة، نحتاج الى تقديم جيل جديد يحمل الراية، ويعيد الى المشهد تلك الروح المصرية التى تعطى للقرآن مقامه اللائق، وتقدم للعالم أصواتا جديدة تستطيع أن تستمر، وان تمثل مصر فى أبهى صورها. اصوات شابة تحمل القدرة على التأثير، وتملك الاداء، وتجمع بين جمال الصوت وحضور الروح. وهذا بالضبط ما يجعل من مسابقة دولة التلاوة خطوة مهمة فى طريق دعم الذوق والروح والدين معا.
وتزداد أهمية هذه التجربة بما يقدمه الدكتور أسامة الأزهرى وزير الأوقاف من إشراف علمى وروحى، فهو يعمل على احياء المدرسة المصرية الاصيلة فى التلاوة، ويمنح المتسابقين رصانة علمية وذوقية تجعل من المشاركة فى المسابقة تجربة تربية قبل ان تكون منافسة. فالمسابقة لا تكتفى باختيار الصوت، بل تختار الشخصية والالتزام والقدرة على حمل رسالة.
ومن هذه الروح التى تجمع بين الجمال والالتزام ينتقل التفكير الى زاوية اخرى: اذا كنا نقيم مسابقات للجمال والغناء والتمثيل والازياء، فلماذا لا نقدم مسابقة راقية تعيد الاعتبار الى الحجاب بمعناه الحقيقي؟
ليس الحجاب مجرد غطاء للرأس، بل هو قيمة ووعى وسلوك وذوق. لدينا نساء وفتيات قادرات على تقديم صورة مختلفة للالتزام والرقى، صورة تجمع بين العقل والجمال والمعنى. ووجود مسابقة من هذا النوع يسهم فى إعادة التوازن إلى المجتمع، ويؤكد أن الفن ليس وحده الذى يستحق الاضواء.
وفى هذا السياق الذى يجمع بين الفن الروحى والجمال الأدبى،
يبرز اسم الشاعر الرقيق طاهر ابو فاشا، الذى قدم فى فيلم رابعة العدوية اثنتين من أجمل القصائد التى غنتها السيدة أم كلثوم.
ومن قصيدته الشهيرة عرفت الهوى نقرأ: احبك حبين.. حب الهوى.. وحبا لانك اهل لذاك.. فاما الذى هو حب الهوى.. فشغلى بذكرك عمن سواك.. واما الذى انت اهل له.. فكشفك للحجب حتى أراك.
ومن قصيدته الاخرى حانة الاقدار، التى غنتها أم كلثوم ايضا، نقرأ:
سألت عن الحب أهل الهوى.. سقاة الدموع ندامى الجوى.. فقالوا حنانك من شجوه.. ومن جده بك او لهوه.. ومن كدر الليل او صفوه.. سلى الليل ان شئت عن شدوه.. ففى شدوه لمسات الهوى.. وبرح الحنين وشرح الجوى.
وقد ترك طاهر ابو فاشا عددا من الدواوين المهمة التى شكلت جزءا من الذاكرة الادبية المصرية، من بينها: (رابعة العدوية)، (من وحى الايمان)، (من وحى رمضان)، (مناجاة القلب)، (دموع لا تجف).
وعند هذه النقطة يظهر السؤال الطبيعى:
هل لدينا اليوم من يحمل روح طاهر أبو فاشا؟
وهل يمكن ان نعيد فتح باب المسابقات الشعرية لاكتشاف ما فى مصر من طاقات أدبية وشعرية نحن فى أشد الحاجة اليها؟
ان المجتمع لا يزدهر بالصوت العالى فقط، ولا بالصخب المتواصل، بل بما يوقظ الروح، ويرقى الذوق، ويعيد للانسان توازنه الداخلى. والجمال الحقيقى يبدأ من الداخل، ثم يفيض ليشمل العالم كله.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية