تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

متهم بحيازة إيحاءات!

ماذا شغل بال المصريين فى الأسبوع الماضى، وتربع على قمة التريند، وحصل على النصيب الأكبر من معارك وحوارات السوشيال ميديا؟، هل هى الحروب، أم الأسعار، أم متحور كوفيد الجديد؟، ليس هذا أو ذاك، ولكنها أغنية المطربة روبى الجديدة: ٣ ساعات متواصلة!!،

أشهرت السيوف، وتعالت الحناجر، واحتدمت المعارك، ودونها خرط القتاد، ويراق على جوانبها الدم!، هناك من يريد محاكمة المطربة، وهناك من يطالب بالنفى وحبس الملحن، ومطالبات بعقد اجتماع عاجل أون لاين لنقابة الموسيقيين لمناقشة تلك الفاجعة والكارثة التى ستدمر شبابنا الغض البرىء، وأتوقع فى القريب العاجل مظاهرات ضد الأغنية وطلبات إحاطة فى البرلمان ...الخ،

ما هو الداعى إلى كل هذه الهستيريا؟،

السبب يا سادة أن فى الأغنية إيحاءات، والتلميحات تتسبب فى «أرتيكاريات»، وهذه الايحاءات والتلميحات من الممكن أن تدمر السلام الاجتماعى وتحدث ثقب أوزون فى تماسك نسيجنا الوطنى!! وأنا أتساءل بجدية، ماذا حدث لنا كشعب؟، هل نحن فى فراغ إلى هذه الدرجة؟، هل تلك هى مشكلاتنا الحقيقية التى تحتاج إلى تضافر وتكاتف ووقت وفكر واحتشاد لحلها؟.

 

لماذا لم يعد يحركنا إلا كل ما هو متعلق بالنصف الأسفل ؟ أليس النصف الأعلى هو الذى يحتوى على المخ الذى بتفعيله وتشغيله تتقدم الأمم؟، أولا الأغنية بسيطة وخفيفة وليست فيها إيحاءات ولا لفتات ولا «باذنجنات»، والايحاءات هى فى أمخاخ من لف الكلمات، ولوى عنق المعانى نتيجة كبت مزمن، وتعود دائم على النفاق الاجتماعى الذى يجعل الشخص دائما يمنح الكلمات أكثر من معنى ومن دلالة، ليس ذنب أى فنان أنه ليس على مقاس ومزاج شخص مسكون بهلاوس وضلالات الايحاءات، يرى فى صورة أى سرير ساحة للمغامرات الحميمة وليس مكانا للراحة والنوم،

وفى أى حرف فى الأبجدية بداية كلمة قبيحة، وفى منظر الخلخال تجسيدا لساق امرأة يكملها رسما بخياله المحلق، إنها «فيتشية»، وهى فى الطب النفسى تشير لتعلق شخص بجورب أو حذاء ...الخ لجلب اللذة، وبدونه لا تحدث ولا يصل إليها!، هل نقيس أنفسنا بهذا الكتالوج الفيتشى إرضاء لتلك الأذواق والسلوكيات المريضة؟! والسؤال الأهم، هل مثل تلك الكلمات أو ما يسمونه إيحاءات، هى موضة جديدة فى قاموسنا الغنائى؟،

معجمنا الغنائى عبر التاريخ فيه ما يتجاوز ذلك بمراحل، وإذا أطلقنا لخيالنا العنان، وركبنا حصان التصورات المحلقة الهمايونية إلى نهاية الأفق، سنجد أن كثيراً من أغانى أم كلثوم وعبدالوهاب وعبدالحليم وغيرهم من مطربينا الكبار الذين لا نختلف عليهم، فيها كلمات من الممكن أن نخترع منها إيحاءات، تجعلنا نطالب بشطب أسمائهم من سجلات الإذاعة حتى لا نخدش حياء الشباب، على سبيل المثال أغنية عبدالوهاب التى يقول فيها: جفنه علم الغزل ومن العلم ما قتل، فحرقنا نفوسنا فى جحيم من القبل!، لماذا لم تخرج المظاهرات مطالبة برأس عبدالوهاب الذى كان يعد ليكون شيخا فى طفولته!؟، لماذا لم يقبض عليه وتمنعه الإذاعة؟.

مرت الأغنية مرور الكرام دون أى ضجة أو لغط ، ولم تتحول إلى قضية رأى عام ، وكذلك أغنية «بلاش تبوسنى فى عينيا»، وكذلك أغنية عبدالحليم لسه شفايفى شايله سلامك..شايله أمارة حبك ليا ...الخ،

وهل لو كان بيننا الآن بيرم التونسى وكتب تلك الكلمات التى تقول «قولى ولا تخبيش يا زين إيش تقول العين للعين، لما العين تشوف حبيب تقوله ولا تخشاش رقيب.. قولى ولا تخشاش ملام حلال القبلة ولا حرام.. القبلة إن كانت للملهوف اللى على ورد الخد يطوف ياخدها بدال الواحدة ألوف ولا يسمع للناس كلام.. هل كان محتكرو الحقيقة المطلقة من سماسرة الايحاءات قد تركوه فى حاله؟، وهل مقطع «خلينى جنبك خلينى فى حضن قلبك، وسيبنى أحلم سيبنى، ياريت زمانى ياريت زمانى ما يصحنيش ... ليس فيه إيحاءات يا جمهور الإيحاءات، لو هم يريدون التفسير على مزاجهم وهواهم ومقاساتهم الذهنية والنفسية!،

وهناك أغان كانت أكثر صراحة مثل أغنية بمبى لصلاح جاهين، ولم تقم مثل هذه الضجة، كتب صلاح جاهين وغنت سعاد حسنى: «بوسه ونغمض ويالا نلقى حتى الضلمه بمبى».. وكانت ليست مجرد أغنية، بل كانت فى فيلم ظل فى دور العرض أسابيع بل شهورا ودخله الآلاف من الشباب والكبار وحتى الأطفال!، ماذا حدث بعد تلك الأغنية؟ هل زادت جرائم التحرش والاغتصاب، وهل فقد الشباب صوابهم فى شوارع مصر المحروسة؟!

يا سادة الأخلاق تسكنكم، لا تسكن الأغنيات والأفلام، والضمير لا يحتاج إلى أغنية لكى يتلوث ويموت ويتحول صاحبه الى فرانكشتاين أو دراكولا أو الغول فجأة! ماذا حدث لنا؟، ما لنا أصبحنا مصابين بالأرتيكاريا الحادة عندما نناقش فيلما أو أغنية، لا نتكلم فى الدراما، ولا نتحدث فى مفردات الفن، لكننا فجأة نقفز إلى الإدانة الأخلاقية والشخصنة والاغتيال المعنوى للفنان أو الفنانة،

يا جماعة الأمور أبسط من كده، هناك اختراع اسمه زر الريموت، حول على أغنية أخرى على ذوقك منعاً لخدش حيائك، وانتهت المسألة ، أرأيتم كم هو الحل بسيط.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية