تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

كشرى الطب البديل

ما حدث فى محافظة السويس من ضبط بائع كشرى يعمل طبيبا منذ سنوات، ويمتلك مركزا طبيا تزدحم أمامه طوابير المرضى، ليس فصلا من مسرحية كوميدية أو عرضا ينتمى إلى مدرسة العبث ليونسكو وبيكيت، إنما هى مهزلة لابد ألا تمر مرور الكرام دون دراسة أو تحليل، مهزلة تكشف عن فيروس خطير أصاب العقل الجمعى وجعله سهل الغواية وسريع السقوط فى مستنقع الخرافة ، وفى معظم الأوقات مع سبق الإصرار والترصد، بل ويصرخ فيك المنصوب عليه ممن يقع فى هذا المستنقع مطالبا إياك بعدم التدخل، متهما من يحاول إنقاذه بأنه لا يفهم فى الكرامات والبركات والميتافيزيقيات، ليس هذا هو الحادث الأول ولن يكون الأخير، لكنه قد حان الوقت لفتح هذا الملف الذى أصبح ملفا فى منتهى الخطورة ، ملف بيع الخرافة وتجارة الوهم تحت اسم الطب البديل، وبداية لماذا ليست هناك هندسة بديلة أو فيزياء بديلة أو كيمياء بديلة أو علم فلك أو أرصاد بديل...الخ؟ لماذا علم الطب هو المستباح تحت شعار الطب البديل؟ عندما تريد تصميم بيت تذهب الى المهندس الذى ليس له احتياطى بديل، ولا يوافق لك المجلس المحلى على بناء البيت إلا برسم هندسى من مهندس معتمد، عندما تريد ناسا إطلاق صاروخ الى المريخ تسأل العلماء الحقيقيين وليس المنجمين، ونحن عندما نريد أن نتوقع حالة الجو نسأل علماء الأرصاد وليس من يفتح المندل أو يقرأ الفنجان.

 

لكننا فى الطب وعند السؤال عن المرض صارت لدينا نشوة التهوين من الطب الحقيقى واللجوء الى الطب البديل ! ما هو هذا الطب الحقيقى، وما هو المقصود بهذا المصطلح؟ إنه الطب القائم على الدليل Evidence Based Medicine ، وهذا الطب له مساراته المحددة والمنضبطة وبروتوكولاته الصارمة لكى تشخص أو تبحث فى إمكانية علاج أو تنشر بحثا أو تنزل بدواء الى الأسواق ، التجريب وتقديم وتجميع الأدلة والبراهين، هذه هى مفردات الطب الحديث وبتلك المفردات استطاع أن يحقق انتصاراته ويقفز تلك القفزات الرائعة فى مجال الرعاية الصحية، بالطب القائم على الدليل استطعنا تخفيض وفيات الأطفال، رفع متوسط الأعمار ، توفير التطعيمات واللقاحات، مواجهة الأوبئة، التصدى لأمراض كانت قاتلة مثل السكر النوع الأول، والذى كان الانسولين بمثابة قبلة الحياة للأطفال المصابين بهذا النوع من السكر، وكذلك شلل الأطفال الذى كان الحل قديما أن يظل الشخص حبيس ماكينة حديدية لكى يستطيع التنفس فقط ! بالطب القائم على الدليل تم علاج الضغط والجلطات وأمراض المناعة وإنقاذ جرحى الحروب من البتر بعلاجهم بالمضادات الحيوية، وبالطب القائم على الدليل انتعشت أبحاث الهندسة الوراثية وزراعة الأعضاء ...الخ ، أنت عشت وستعيش كل تلك النعم والأيادى البيضاء للعلم بواسطة هذا الطب القائم على الدليل، وليس بالطب البديل والبردقوش وحبة البركة والعسل والحجامة واستخدام الحلبة فى علاج تليف الرئة، كما أفتى لنا بروفيسور الكشرى الأخير! السؤال لماذا الطب القائم على الدليل مكروه عند الكثيرين بينما الطب القائم على الكشرى محبوب ومدلل؟ السؤال ليس من فراغ ولكنه نتاج قراءة واقع، ومن خلال معارك عديدة خضتها وواجهت اتهامات مرعبة بسبب أننى قد جننت ووقفت أمام تلك الخرافات، الأعداد الرهيبة التى وجدتها مقتنعة بقدرة مدرس الألعاب وملك الأعشاب، المليارات التى جمعها تاجر الكركمين الذى ادعى أنه يعالج كل الأمراض، أمير الحجامة الذى أنشأ قناتين تليفزيونيتين من المكسب، جحافل الطوابير التى كانت تنتظر البرطمان السحرى أمام عيادة رائد الطب النبوى خريج كلية الزراعة فى الدقى لعلاجها من فيروس سي، إعلانات القطرة القرآنية والمنشطات اللوذعية على قنوات بير السلم والتى لديها أعلى المشاهدات.

كل هذا وغيره يجعل سؤالنا مشروعا؟ أنا لا أرى الأزمة فى طبيب الكشرى، فالدجال كان وسيظل موجودا، وسيستخدم كل الوسائل لترويج نصبه، لكن الأزمة الحقيقية فى الواقعين فى فخ هذا الدجل، والأخطر فيمن يدافعون عنهم باستماتة، هناك ضحايا يقعون كل يوم فى الفخ بل وصاروا مدمنين له، وهناك لوبى يدافع عن الخرافة، أصبح أكبر لوبى وأضخم حزب، وهناك غياب للتفكير النقدى وجفاف وأنيميا للثقافة العلمية فى مصر سواء فى التعليم أو فى الإعلام، الجمهور فى الشارع لا يعرف ماهى الخطوات التى تستغرق سنوات لتجربة دواء والسماح باستخدامه؟ حتى معنى الشفاء والعلاج مازال ملتبسا عند البعض! فمن الممكن أن تكون هناك سيدات كثيرات أحست بتحسن على سبيل المثال فى وجع الركبتين أو العمود الفقرى عند طبيب الكشرى فتقول أنا «خفيت»، ياسيدتى «خفيتى» على أى أساس، أشعة، تحاليل، هل الغضاريف عادت سليمة؟ هل اختفى الانزلاق؟.

حتى معنى الشفاء فى الطب له معايير محددة يا سادة، مصطلحات غير منضبطة، وتعامل باستهانة مع العلم ومنهجه ، استسهال اللجوء الى الخرافة الذى تحول بالتدريج الى حب وغرام وعشق لتلك الخرافة ، حيث أصبح لها حراس وسدنة ومناصرون وألتراس، الطب لا يوجد له بديل ، المقابل له أو عكسه هو الدجل أو النصب أو التدليس، إذا أردت أن تدخل طريقة علاج جديدة ادخلها تحت تلك المنظومة الصارمة وعرضها للاختبار الطبى وفقا لمعايير الطب القائم على الدليل، وليس الطب القائم على الفهلوة أو الفتوى أو الكشرى.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية