تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
بالطو عاطف وعصا مرزوق
مسلسل بالطو الذى عرض حصرياً على شاشة منصة لا شاشة قناة، وبالرغم من ذلك حاز على جماهيرية واكتسب أرضاً وحقق نجاحاً وأثار نقاشاً. هذا المسلسل ذو الحلقات العشر لم يكن مجرد مسلسل كوميدي، ولكنه كان حالة من البهجة الراقية ونوستالجيا الضحك المصنوع بإتقان وليس المصطنع باستظراف، والأهم أن هذا الضحك الذى يتصدر المشهد ليس زغزغة فظة، بل كان خلفه قضية فى منتهى الأهمية، ألا وهى الصراع بين صرامة العلم وفوضى الكرامات، بين فوبيا العلم وسيطرة الدجل.
السؤال لماذا نجح بالطو كل هذا النجاح الذى وصل الى حد الإجماع النقدى والجماهيري؟
أولاً كانت الكوميديا السائدة قد وصلت فى السينما والمسرح الى درجة من السطحية والسذاجة واستجداء الضحك، لدرجة أن الجمهور قد أصبح يترجم الكوميديا على أنها الردح أو التنمر على الشكل أو الوزن أو لون البشرة أو طريقة اللبس .... الخ، اختزلت الكوميديا الى ديالوجات طويلة مرتجلة بين نجمين ممن يقدمون نفس الطبخة البايتة من الايفيهات.
جاء مسلسل بالطو بدون صراخ وبامكانات بسيطة، وبطل جديد يشاهده الجمهور لأول مرة، وكاتب طبيب يكتب سيناريو وحوارا لأول مرة، ومخرج يتصدى لإخراج عمل لأول مرة أيضاً!!
هم شباب، والمفروض أنهم إفراز تلك المرحلة من الكوميديا السائدة، لكنهم تمردوا وخرجوا عن السائد والمألوف، وقدموا لنا هذه التوليفة الكوميدية الرائعة.
والحكاية التى من فرط بساطتها لمست وتر الصدق عند كل مشاهد، عاطف طبيب حديث التخرج فى فترة تكليفه، كيف سيتعامل مع هذه المسئوليات الجسيمة الروتينية التى فى الوحدة الصحية، وأيضاً مع عادات وأعراف وتقاليد القرية التى تتعامل مع الطب الحديث كزائدة دودية وترف ورفاهية، وتثق فى الدجل والأعمال وكرامات الشيخ مرزوق الذى بعصاه ينير كهارب القرية ويشفى المرضى ويفك المربوط، وبالطبع يحصد الملايين!.
من رحم تلك التناقضات تولد الكوميديا بكل سلاسة ولطف ورقى وشياكة وبدون حزق أو ضجيج أو ترخص أو إسفاف، علاقات دكتور عاطف بالتمريض وتسيب الموظفين وصرامة مس كوثر وبلطجة دكتور سمير، وطيبة عبد البديع الطرشوخى موظف الحضور والانصراف، مع بعض اللمسات الرومانسية فى علاقته مع الصيدلانية، عاطف لا يسمع شكواه إلا الأخرس الأصم الذى فضحه فضوله فى نهاية المسلسل ونطق!
هذا المسلسل أعاد الكوميديا إلى وضعها. والمهم أنه قد أعاد للصدارة قضية قنديل أم هاشم، وكيف يكره البسطاء العلم والذى هو طوق نجاتهم الوحيد، ويدمنون الدجل والنصب حتى الثمالة ، وبرغم أن الطبيب هو الذى أنقذ الشيخ مرزوق، إلا أن أهل القرية اعتبروا يقظة الشيخ مرزوق بعد توقف قلبه هى كرامة وبركة من المبروك مرزوق، والذى غالباً سيبنون له مقاماً وضريحاً بعد أن يطردوا عاطف ، نهايات الواقع ليست هى نهايات الأبيض والأسود السعيدة، الواقع أكثر ألماً، وأعلى الضحكات هى أكثرها مرارة، وأخلد ابتسامة هى المغموسة فى ملح الدمع.
المسلسل لم يقدم لنا النهاية التى تهدهدنا، ولكنه قدم النهاية التى توقظنا وتصدمنا، ظلت القرية على سابق عهدها، برغم زلزال الحادث وبطولة الطبيب الشاب واندهاش سائق الإسعاف من حماس عاطف الأسطوري، إلا أن كل هذا لم يشفع للعلم أو الطب الحديث القائم على التجريب والدليل ، فالنسيج العقلى والروحى مهترئ ،أدمن الخرافة حتى صارت فى الجينات.
تحية لكل صناع المسلسل ،المخرج عمر المهندس حفيد واحد من أهم صناع البهجة فى حياتنا، الأستاذ الفنان فؤاد المهندس، الكاتب الطبيب أحمد عاطف الذى تعرفت عليه من الفيسبوك وكنت مندهشاً كيف لهذه الطاقة الكوميدية الساخرة أن تكون حبيسة وسائل التواصل ،كان الحس الدرامى موجوداً خلف كل ملاحظة وانتقاد يوجهه لكوارث المسلسلات، وها قد تحقق أخيراً وأثبت نفسه فى أول سيناريو يقدمه، عصام عمر بطل المسلسل من فرط صدقه فى الأداء وعدم الحذلقة والاستعراض ،كنا على يقين أنه الدكتور عاطف بالفعل ، كل الممثلين بلا استثناء، محمد محمود، محمود البزاوي، عارفه عبد الرسول، مريم الجندي، سلافه محمود ،محمود حافظ ...الخ كانوا جميعاً أبطالا.
عدة دروس نستخلصها من هذا العمل الكوميدى الجميل:
وهى أن صناعة الدراما عامة والكوميديا ممكن بممثلين مخلصين ،نستطيع أن نصنع فناً عظيماً ومؤثراً ، أما سر النجاح فسيظل الورق ثم الورق كما يطلق عليه أهل الصنعة، الكتابة الـ «دي. إن. إيه» الأولى للعمل الفنى والذى يمنحه هويته، والذى يستطيع بعده المخرج والمصور والممثل أن يشكل ويرسم وينحت.
إهمال الكتابة والتعامل مع السيناريست على أنه مجرد (ترزي) يحقق خيالات وتهويمات النجم، أثر سلبيا على الفن، لابد لكى ننجح ونستعيد الصدارة، أن نؤمن بأن كاتب العمل هو نمبر وان.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية