تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
«الحشاشين» ومفتاح الجنة
أنا صاحب مفتاح الجنة هى الجملة المفتاح فى مسلسل الحشاشين، والتى قالها حسن الصباح وهو يخطب فى أتباعه عند اقتحام قلعة آلموت، خدرهم بتلك العبارة قبل أن يخدرهم بالحشيش، استطاع بذكاء شرير أن يلمس العصب العارى ويداعب غريزة الخلود من خلال المخدر الديني!
قدم لنا المسلسل مشهدين يلخصان كيفية صناعة وطبخ الانتحارى فى مطبخ الدين، المشهد الأول فى بداية المسلسل حين قفز واحد من أتباعه من أعلى قمة فى القلعة وأمام الرسول الذى أرسله ملك فرنسا، قفزة الموت كانت بمجرد نظرة أمر وفرمان موت من الصباح، والمشهد الثانى هو مشهد الشاب سعد الذى أمره حسن الصباح صاحب مفتاح الجنة بقتل نظام الملك ثم طعن نفسه فى البطن بطريقة الهاراكيرى اليابانية وهو يصرخ أنا فداء صاحب مفتاح الجنة.
السؤال الذى طرحه المسلسل على المشاهدين بقوة، هو:
كيف تتم صناعة هذا الانتحاري؟
وهذا السؤال منفرداً تعتبر إثارته والإجابة عنه هى من أهم أفكار المسلسل بالإضافة للمناقشات التاريخية الثرية، التى حدثت والتى خلقت حراكاً فكرياً لم يحدث منذ فترة، صناعة الانتحارى الذى يقبل تفخيخ نفسه أو ربط خصره بديناميت أو حزام ناسف أو ركوب سيارة مكدسة بالقنابل والدخول بها فى كمائن أو مديريات أمن لمجرد هروب وطرد السياح وقتل السياحة، الانتحارى الذى يتفحم وتصير أشلاؤه مجرد دخان له رائحة شواء آدمى؟!
كيف يصنع هذا الانتحارى الذى يتمزق وتتطاير أطرافه المبتورة المحترقة المنصهرة وهو يبتسم متأكداً من أنه على أبواب الفردوس؟!
البداية هى صناعة عدو وخلق خصم، فى حالة حسن الصباح كان الخصم هو الدولة السلجوقية الكافرة، وكذلك فى حالة الإخوان وداعش والقاعدة... الخ، العدو هو الدولة الفاسقة والمجتمع المرتد وفسطاط الكفر ..إلى آخر تلك المسميات، رويداً رويداً يتحول العالم كله إلى خصم، تلك العصابات والتنظيمات المغلقة لا تعيش إلا من خلال خلق عدو ولا يقتاتون إلا من مائدة الخصم، اسطوانة الأوكسجين التى تنقذهم من الموت فى غرفة العناية المركزة هى صناعة عدو وهمى وخصم أسطوري، من خلال عقيدة الولاء والبراء تبدأ تفاصيل القصة، اليهودى والمسيحى عدوان، وبالطبع الديانات الأخرى أعداء، والمذاهب الأخرى فى نفس الدين أعداء، وتضيق الحلقة رويداً رويداً، حتى يمتد الخط إلى نهايته بتكفير الآخر وشيطنته فيصبح كل ما عداى أنا، وكل ما هو خارج مجموعتى وجماعتى وقلعتى وجيتوهاتى الإيمانية كافراً آثماً وشيطاناً رجيماً، يتم اختيار الأرضية النفسية للانتحارى المنقوشة بفسيفساء وموزاييك الكبت الجنسى والحقد الطبقى والخلل العاطفى والغباء الاجتماعى والتفكير الأحادى والتطرف النفسى والتعصب الدينى والضلال العقائدى، من هذه الأرضية ومن تلك المنصة ينطلق صاروخ الانتحاري، الوقود الدافع لرأس هذا الصاروخ هو منبر جامع يغسل دماغه، ومدرسة تزيف وعيه، وأسرة تجعل منه مشروعاً لانتحارى المستقبل ولقمة سائغة لأمير ينومه مغناطيسياً ويقنعه بأن الجهاد هو بساط الريح الذى سينقله فى لمح البصر إلى الحور العين الذى كبت شهوته على الأرض انتظاراً للقائهن فى السماء، والانتحار تفجيراً هو الذى سيبسط مائدة عامرة بما لذ وطاب من أنهار الخير مما حرم منه حين كان يكمل عشاءه نوماً!
وهذا ما فعله حسن الصباح مع الشاب سعد الذى تمتع بالجوارى الحسان فى جنة القلعة مع مخدر الحشيش قبل أن يذهب فى مهمته الانتحارية ضد الجيش السلجوقي، ليست قاعدة أن يكون الانتحارى المفجر نفسه المؤذى للآخرين القاتل للمستهدفين والمختلف عن الذى ينتحر كفرد فى هدوء وسلام دون إزعاج للآخرين، ليست قاعدة أن يكون انتحاره وتفجير نفسه من أجل دين ولكن من الممكن أن تكون فكرة مثل كاميكاز اليابان أو القوميين العرب أو الهيبز، لكن كل هذا يتم حين تتحول الفكرة إلى دين والاعتقاد ووجهة النظر إلى عقيدة صماء حجرية لا تعرف الحلول الوسط، ولمحاولة فهم سيكولوجية الانتحارى سواء كان من أتباع حسن الصباح أو أسامه بن لادن أو الزرقاوى أو البغدادي، والتى لها سمات مشتركة وان اختلفت المسميات والأزمنة، سنحاول قراءة هذه النوعية من الإرهابيين على ضوء علم النفس والاجتماع
الانتحارى كما يقول د حيدر جابر الحبيب فى دراسته عن الشخصية الإرهابية من منظور التحليل النفسى يتسم فى عمقه بالطفولية وعدم قدرته على الاستقلال، وغالباً ما تكون تلك الشخصيات هى الأدنى فى أى تنظيم دينى أو سياسي، فهى غير ناضجة انفعالياً أو عقلياً، مما يسهل قيادتها والسيطرة عليها سواء بالاستغلال الخاطئ لأفكار العالم الآخر والحياة بعد الموت، أو غيرها من المنظومات التى تشكل القيم الأساسية فى الجماعات الدينية أو التنظيمات السياسية، تحت مسميات الشهادة والخلود.
فالانتحارى شخصية لا تتسم بالقوة وترغب فى الموت من الأساس، وبالتالى ما يضفيه الإرهاب خاصة فى إطاره الدينى من شرعية لهذا الفعل، تنفى لديه أى شعور مسبق بالذنب أو مجرد التساؤل عن ضرورة القتل.
كيف يصل الشخص إلى هذا الانسحاق وتلك الغيبوبة والرغبة المستلذة بتدمير الذات، هذا هو السر الذى يمارسه بعبقرية كل أصحاب مفاتيح الجنة.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية