تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
الجنوب السورى.. ترتيبات النار وشبح التفكك !
الصلة بين إسرائيل وما يجرى فى الجنوب السورى بشكل عام، فيما يبدو لا يحتاج إلى تأكيد، خاصة مع تعرض العاصمة دمشق للقصف على خلفية أحداث السويداء.
الفعل الإسرائيلى بدا مبالغا فيه إلى نحو كبير، لكنه يعكس مساحات التقدم والاهتمام الإسرائيلى بهذا الملف ونطاقه الجغرافى والطائفي، لهذا فالارتباط موجود لكن يبقى الاختلاف فقط فى مداه، وحجم إرادة الفعل الذى تقرر أن يكون هذه المرة بهذه الخشونة اللافتة والمتسرعة.
بقى تساؤل محير يتعلق بالتوقيت؛ لتزامن هذا التصعيد، مع بدء الحوار السورى الإسرائيلى الذى يجرى فى أذربيجان من أجل إرساء ترتيبات أمنية بينهما، ستكون عنوانا أوليا لتفاهمات مستقبلية أوسع يأمل ويعمل البعض إلى أن تصل قريبا لحد التطبيع بين النظام السورى الجديد وإسرائيل.
تفكيك هذه الحيرة، تستند إلى معلومات وتحليلات استخباراتية بدأت تتلمس مكونات «فخ إسرائيلي» جرى تنفيذه على أرض الجنوب السوري، وسقطت فيه جميع الأطراف كما خططت الاستخبارات الإسرائيلية تماما، بل ربما وبأبعد مما توقعت فى خلق حالة اشتعال وقتى تسمح لها باعتماد «الدروز» كأحد أهم أوراق التفاوض فى سياق الترتيب الإقليمى متعدد المستويات.
الطائفة الدرزية لها خصوصية فى الداخل الإسرائيلي، تجعلها مؤهلة بشكل كبير لأن تمثل احتشادا إسرائيليا من أجل العمل عليها، فأبناء الطائفة فى إسرائيل لديهم ارتباط واسع وتاريخى بكلتا المؤسستين الرئيسيتين السياسية والعسكرية، عديد الشخصيات الشهيرة منهم شغلوا ويشغلون مناصب سياسية بارزة من بينهم وزراء وأعضاء مؤثرين فى الكنيست، ورؤساء بلديات وكثير من مناصب الصف الثانى التنفيذى مباشرة.
دورهم فى المؤسسة العسكرية ليس أقل أهمية؛ فمعدل التجنيد الإجبارى بين شباب الدروز يتجاوز 80%، الكثير منهم قيادات وجنود فى الوحدات الرئيسية ومنها سلاح الجو، وآخرون يشغلون بنجاح مناصب مؤثرة فى وحدات الاستخبارات العسكرية والنشاط الخارجى بالموساد.
ليس سرا أن إسرائيل تراهن بخطط دقيقة ومفصلة على استثمار ملف الأقليات فى دول الجوار، من أجل تثبيت دورها واستراتيجيتها فى صناعة خرائط جديدة بقياسات وأبعاد جديدة كليا، عبر عنها بنامين نيتانياهو بما سماه «ملامح الشرق الأوسط» الذى تعمل عليها الأجهزة الإسرائيلية، السياسية والعسكرية والاستخباراتية فى توزيع منضبط للأدوار والمهام.
وهنا يعود الدروز ليكتسبوا أهمية استثنائية دون بقية الأقليات بحسب المفهوم الإسرائيلي؛ فرغم ذكر إسرائيل رسميا للمرة الأولى فى أزمة السويداء الأخيرة، كلا من العلويين والأكراد السوريين، وقبلهم مسيحيى لبنان، إلا أن هذا المفهوم لـ«الأقلية» يتغافل عمدا بالضرورة كونها مكونا أصيلا ووطنيا داخل بلدانهم، وصناعا رئيسيين لتاريخها ومكانتها، وهذا يرشح المخطط الإسرائيلى لإمكانية دحضه وهزيمته طوال الوقت فى حال توافر الوعى الوطنى بخطورة اللعب على هذا الوتر.
الاستثناء الدرزى يتمثل فى التوزيع الجغرافى لأبناء الطائفة فى ثلاث دول عربية من دول الجوار الإسرائيلي، سوريا ولبنان والأردن، فضلا عن وجودهم المؤثر داخل إسرائيل، وهذا يعطى ورقتهم أفضلية لا تتوافر لغيرها من المكونات العرقية أو الدينية التى لا يوجد لها تمثيل داخل إسرائيل يمكن البناء عليه، عبر علاقة مؤسسية ومجتمعية كما الحال بالنسبة للدروز الذين يجرى استخدامهم ـ زورا ـ فى تعزيز الجبهة الداخلية، وتوسيع النفوذ فى المحيط الإقليمي.
المفاوضات السورية الإسرائيلية التى سبقت أحداث السويداء بفاصل زمنى قصير ولافت، جرت عبر مسارين رئيسيين:
المسارالأول والأشهر عبر وساطة تركية أذربيجانية، شهدته العاصمة باكو بين مسئولين إسرائيليين وسوريين تركزت حول ترتيبات أمنية فى جنوب سوريا، تشمل المنطقة الممتدة من الريف الجنوبى لدمشق وصولا إلى مدينة درعا، على أن تبدأ تلك الوساطة باعتماد إطار «استراتيجية التهدئة»، يجرى خلاله سحب القوات الإسرائيلية من وجودها «المستحدث» الذى جرى بعد تولى النظام السورى الجديد مهام إدارة البلاد.
وقد عبرت السلطة السورية خلالها عن رغبتها فى العودة السريعة إلى اتفاقية فض الاشتباك 1974، وتثبيت دور قوات الأمم المتحدة فى المنطقة منزوعة السلاح بين الجانبين.
المسار الثانى الأعمق من وجهة النظر الأمريكية جرى فى العاصمة التركية، وجرى بإدارة وإشراف كامل من المبعوث الأمريكى إلى سوريا وسفير واشنطن لدى أنقرة «توم باراك»، وفيه جرى بحث التنازل السورى عن الجولان والمدى الزمنى المطلوب لبقاء القوات الإسرائيلية على قمة «جبل الشيخ» لحين التثبت من إدماج النظام السورى الجديد فى المنظومة الإقليمية والدولية.
من الواضح أن كلا المسارين واجها صعوبات جوهرية،
فرغم الوجود التركى فى القناتين التفاوضيتين بغرض إرساء القواعد الجديدة الحاكمة للعلاقة بين دمشق وتل أبيب، فإن الإشكاليات بدت أكبر من قدرة أنقرة على تمريرها أو دفع دمشق لقبولها.
هذا يفسر جليا حجم التداخل العسكرى الإسرائيلى التصاعدي، فى أزمة ليست الأولى فى تعامل النظام مع المكون الدرزى المتململ بالأساس، اتبع ذلك إصرار إسرائيلى أمريكى على سحب القوات السورية العسكرية والأمنية على حد السواء من مناطق الاشتباك، بين المقاتلين المسلحين الدروز وبين قوات العشائر السنية المحلية. وضرورة أن يكون هذا القرار بسحب قوات النظام السورى صادرا من الرئيس الشرع شخصيا،
وهو ما جرى بالفعل وكشف عن فائض القوة الإسرائيلية التى تستخدمها فى الميدان، لترسيخ مبدأ «حرية الحركة» و«المنطقة العازلة» منزوعة السلاح التى طالبت بها خلال المفاوضات، ولم يقبلها وفد التفاوض السورى الذى تمسك بعودة الأوضاع إلى ما قبل سقوط النظام السابق، وهو ما رفضته إسرائيل وبدا أنها ترسم الخريطة فى مواجهة تركيا بأكثر مما هى تواجه النظام السوري، الذى بدا لا حول له ولا قوة، بداية من ارتكاب العناصر التى دفعها لاحتواء الموقف أخطاء كارثية، أوصلت الفخ الإسرائيلى إلى مبتغاه بأسرع مما كان مخططا له، وصولا إلى متابعة الموقف التركى الذى لم يتجاوز هذه المرة على لسان «هاكان فيدان» جاهزية تركيا، لتقديم المساعدة والإسناد فى حال طلبت دمشق ذلك!
الجولة لم تضع كلمة النهاية بعد؛ لكن المؤكد أن مؤشراتها الأولى تحمل انتصارا من نوع ما للإرادة الإسرائيلية الأمريكية، فى مقابل تراجع تركى رغبة منها ـ حتى الآن على الأقل ـ فى الاحتفاظ بمقعد الميسر لترتيبات الخرائط المستقبلية على الأراضى السورية.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية