تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
روح الأهرام
الروح، ما يُقابل المادة ، تترجم مجموع القوى المعنوية أو العقلية ، مظاهر الحياة النفسية أو المظاهر المتعلقة بالطبع والفكر والنفس .
روح الأهرام ، مجموع قوى مؤسسة الأهرام الحية التى تكفل لها الصدور ( اليومى ) المؤثر فى الوعى الجمعى فى زمن سيادة المنتوج الرقمى الذى خلط المعادلات الصحفية خلطا عجيبا .
رغم التحديات الرقمية تظل صحيفة الأهرام (مطبوعة) قادرة على ركوب الصعب، والإبحار فى لجة موج الثورة الرقمية العاتى بفضل روحها العالية التى تحلق بالأهرام فى أحواز الفضاء الإلكترونى .
فى مقال الأربعاء الماضى المعنون (متون الأهرام) فى مناسبة بلوغ الأهرام عامها الخمسين بعد المائة الأولى، غلبتنى (النوستالجيا) وأنا بصدد الكتابة عن الأهرام، لاسيما أهرام الأستاذ هيكل.
النوستالجيا عادة ما تترجم «الحنين إلى الماضى»، وغالبًا ما تكون مرتبطة بفترة زمنية أو مكان معين يحملان ذكريات وأحداثًا سعيدة، والأهرام فى (الزمكان)، مجموع الزمان والمكان معا ، جذوة روحها متوهجة .
وعلاقتى بالأهرام غريبة بعض الشيء، وعلى طريقة الصديق «إبراهيم عيسى»، «وصف من يمكن تسميتها الحبيبة»، والأهرام كانت وستظل، حبيبتى التى أصل وصالها دوما، واقتربت من قلبها يوما، متدربا، ولم أحظَ بقلبها، ولم أتشرف أن أكون ابنا لها، ولكن ظللت متشوقا لوصالها، وكما قال شاعر العرب البليغ (أبو تمام) «نقل فؤادك حيث شئت من الهوى / ما الحب إلا للحبيب الأول.. كم منزل فى الأرض يألفه الفتى / وحنينه أبدا لأول منزل»، وبعض من الشوق للأهرام فى هذه السطور.
فى الحكى الشعبى الغارق فى «ما وراء الطبيعة»، «الميتافيزيقا»، يحكى عن «النداهة»، أسطورة شعبية عن روح أنثوية تظهر فى المناطق الريفية، يُعتقد أنها تجذب الرجال بصوتها الجميل أو مظهرها الخلاب، ما ينتهى فى الأخير باختفائهم.. ندهتهم النداهة كما يقولون متفكهين.
نداهة الأهرام البديعة ندهتنى يوما، عادة تنده على المحبين، الأهرام لا تزال شابة رغم عمرها الطويل، لا تشيخ أبدا، شجرة توت عفية، جذابة الأهرام تجذب الأقلام الرشيقة، تجليها، تصقلها، ترسم حروفها..
من يكتب اسمه فى «الأهرام» سعيد الحظ، يرتسم من فوره كاتبا، وكتبة الأهرام من صنف رصين ، تختارهم الأهرام على عينها، تندههم فيلبون النداء متشوقين .
الكتابة فى الأهرام عندى ، ومثلى كثير، أبدا ليست نزهة خلوية، أو شغل مساحة، وما يكتب ليس من قبيل الكلام الساكت، الأهرام لا تقبل كتابة عادية، المقبول أهراميا كتابة استثنائية ذات مذاق أهرامي، والمذاق الأهرامى مضبوط على ريحة الوطن.
عندما تكتب للأهرام، تتحسب للحرف، وتحتاط للكلمة، وتقف على الحروف، هناك خبراء مثمنون فى الأهرام يزنون الكلمة بميزان الذهب، والنشر فى الأهرام تحكمه معايير حاكمة قاسية بعض الشيء، ما ينشر أهراميا سائغ شرابه، يصب فى نهر الوطن الجاري.
بعد جيل الآباء المؤسسين، أهرام هيكل شكلت معلما من معالم الصحافة الوطنية، ولا تزال مضرب الأمثال فى الأستاذية المستحقة، جمع الأستاذ هيكل للأهرام جواهر التاج، والدور السادس يشهد على اجتماع رهط معتبر من قادة الفكر والرأي، يصعب الحصر، ولكنها روح الأهرام التى تنادى على الموهوبين المضروبين بالكلمة.
رحلة الأهرام فى الزمان لم تكن يسيرة ميسورة، مرت سفينة الأهرام العتيقة بجنادل وشلالات عوّقت أحيانا المسيرة، ولكنها لم تتوقف يوما عن الإبحار، روحها تأبى الاستكانة أو الركون، ولعل محاولة اختطاف الأهرام من حضن الوطن إلى جب جماعة الإخوان منيت بالفشل الذريع .
روح الأهرام المتمردة أبت الخضوع والاستسلام، الأهرام تفرش صفحاتها يوميا على ربوع الوطن، غير قابلة للطى فى كهف جماعة لم تعرف قيمة ومكانة الأهرام فى الضمير الجمعي.
لم تتمكن الجماعة من اختطاف روح الأهرام، استولت على صفحاتها وقتا مستقطعا من تاريخها العظيم، ولكن روح الأهرام ظلت طليقة محلقة حية، ما تمكن منها مرشد الضلال ولا سبحت بحمده.
مستوجب الوقوف على إحداثيات روح الأهرام التى مكنتها من الصدور قرنا ونصف القرن، بلا توقف ولا انقطاع رغم الخطوب والمحن ، ياما دقت على الرءوس طبول .
أثمن ما فى الأهرام روحها التى تسرى فى أجيالها، كل جيل يسلم الأهرام لجيل بعده، وروح الأهرام تسرى من جيل لجيل، والجيل الحالى خير خلف لخير سلف .
روح الأهرام تتجسد فى جيل الأهرام الحالي، وقد خبرت معدنه الأصيل، المؤتمنين على الأمانة، يحلمون بأهرام تطاول الأهرامات عظمة وشموخا، وحقهم يحلمون، والحلم أول الطريق الصعب الذى يخطونه بخطى واثقة. ونحلم معهم بأهرام فى اكتمال البدر ليلة تمامه، تضارع عظمة أهرام هيكل، وليس الأمر بالمستحيل، وركوب الصعب ممكن.
هذا الجيل بإخلاصه وروح الأهرام تسرى فى قلوبهم مأمول أن ينجزوا فروضهم، ويؤدوا صلواتهم فى محراب الأهرام العظيم.
روح الأهرام، وهذا ليس وصفا بلاغيا، تحفظ له الديمومة والاستدامة، تترجم حالة عشق لهذا الاسم الكبير.
فى عرفنا الصحفى الأهرام (البيت الكبير)، نتطلع دوما لنوافذه التى تفتح على ربوع الوطن، وما من صحفى إلا تمنى أن يكون أهراميا، وليس شرطا أن تكون أهراميا أن تنسب للأهرام، ولكن يكفيك حب الأهرام التى تنطق باسم وطن يستحق الخلود.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية