تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

جامعة الأهرام الصحفية

لفتني السطر الأخير في مقال أستاذي «عادل حمودة» في الأهرام يوم الاثنين الثامن والعشرين من نوفمبر، تحت عنوان لافت «سفينة مصر .. ودفة الأهرام». أغبطني ما نصه: «لو تريثوا لاستوعبوا أننا اعتبرنا الأهرام أكبر من مدرسة.. اعتبرناها جامعة».. وصف بليغ من صائغ ماهر، وكاتب حاذق يسك الكلم في مواضعه.

 

الكبير «عادل حمودة» أنزل الأهرام منزلتها العالية، الشقيقة الكبرى لصحف القاهرة الزاهرة، ووضعها في موقعها الطبيعي، في مصاف الجامعات الصحفية الكبرى.

الأهرام (المؤسسة والجريدة) مصريا وعربيا وعالميا تذكر مع نظيراتها عالميا، من صحف «صناعة القرار»، ما لخصه حمودة بدفة الأهرام وطنيا. من مقال حمودة مع حفظ الألقاب «وسط الحيرة الوطنية التي تفرضها الظروف المعاكسة التي تتعرض لها مصر أحيانا تقف صحيفة «الأهرام» إلى جانب الحكمة وتدعو بحارة السفينة إلى اتفاق فيما بينهم على قاسم مشترك للحياة». أذكر فيما روي من طقوس الرؤساء والملوك العرب كانوا إذا قرروا الظهور صحفيا على الشارع العربي، يخاطبونه ويتفاعلون معه، ويرسلون رسالاتهم، رسائل بعلم الوصول، يقصدون «صحيفة الأهرام» التي تسع الشارع العربي من المحيط إلى الخليج. وما روي عن الرئيس الراحل «حافظ الأسد» كان من طقوسه الإعلامية الإدلاء بحوارين فقط لا غير سنويا، أحدها للأهرام لأنها المتوجة عربيا، وما ينشر على صفحاتها ينقل عالميا بمصداقية واحترافية. محض اجتهاد من (كاتب هذه السطور وليراجع شيوخ المهنة المقدرون) في تاريخ الصحافة المصرية ثلاث محطات رئيسة، تمثلها ثلاث مؤسسات كبيرة، كل محطة تمثل مرحلة صحفية مثل تحويل مجري النهر، الأولى، اضطلع بها الأخوان «مصطفى وعلي أمين»، مع حفظ الألقاب والمقامات، واحتضنتها مؤسسة «أخبار اليوم»، وجرى فيها تحويل نهر الصحافة الجاري من مرحلة المقالات المطولة، والكتابة المسهبة، كانت الصحافة أشبه بسوق عكاظ، مقالات أقرب إلى المعلقات، حولها الأخوان العباقرة إلى مرحلة الكتابة التليغرافية، كتابة خاطفة كالبرق، في برقيات صحفية، أقرب لتويتات تويتر قديما، وأخبار آكسيوس حديثا.

عرفت الصحافة المصرية علي أيدي الأخوين ، الخبر الصحفي بقواعده ورسمه المعروف في وكالات الأخبار العالمية، قصير موجز مركز سهل التداول بين الناس.

مرحلة تشكلت ملامحها ولا تزال في مدرسة «أخبار اليوم» التي أطلق عليها اصطلاحا وعرفانا مؤسسة «مصطفى وعلي أمين» الصحفية.

المحطة الثانية، التحويلة في نهر الصحافة الجاري كانت من بنات أفكار طيب الذكر الأستاذ «محمد حسنين هيكل»، وكانت مؤسسة الأهرام محله المختار، وصفا «مأسسة الصحافة»، أن تتحول الجريدة إلى مؤسسة لها تقاليدها وقواعدها المرعية، وإصداراتها التخصصية، ومراكزها البحثية، وصارت مؤسسة الأهرام نموذجا ومثالا للمؤسسة الصحفية الشاملة، جامعة الصحافة الرصينة ذات القواعد الحاكمة، ومنتوجاتها بعلامة جودة، اصطلاحا صحفيا (المصداقية عنوان). مؤسسة هيكل رسمت صحيفة «الأهرام» واحدة من العشر صحف الأولى عالميا، وكان ما ينشر في الأهرام يتردد صداه في أرجاء المعمورة. اجتذب الأستاذ هيكل للأهرام ذخيرة من خيرة الكتاب، وأكثرهم تأثيرا، ونفاذية، واحتضن أفكارهم، ورسمهم، وهم من بيوت غير صحفية، أدباء ومفكرين وشعراء، رسمهم وطبعهم، كتابا في صحيفة تحمل أفكارهم وتتحمل الغرم، وتدافع ببسالة عن حريتهم في الإبداع، وبشجاعة وجرأة تكفل الأهرام بنشر ما خشي آخرون، نموذج ومثال، نشر رواية «أولاد حارتنا» لطيب الذكر أديب نوبل «نجيب محفوظ»، علي حلقات أهاجت « زنابير القفير» وطيور الظلام، واستحق محفوظ جائزة نوبل على روايته المنشورة في الأهرام، واستحق الأستاذ نيابة عن الأهرام جائزة الشجاعة والاحترام.

المحطة الثالثة كانت في عهدة الأستاذ «عادل حمودة»، واحتضنتها مؤسسة «روزاليوسف»، مدرسة ذات مذاق البهار الحار، خرقت سقف المحرمات الثلاث، (الدين والسياسة والجنس)، حولت النهر الجاري بانسيابية إلى نهر هادر متدفق سريع الجريان، كسرت «روزاليوسف» السقوف جميعا، وخاضت معارك مجتمعية وسياسية ضارية، ولم تهادن ولم تتولَّ يوم زحف طيور الظلام على حقول المحروسة الخضراء.

عودة على بدء، وبحسب توصيف أستاذي «عادل حمودة»، تظل أخبار اليوم وروزاليوسف مدرستين صحفيتين ملهمتين، والأهرام جامعة العلوم الصحفية، والصحافة المصرية بمدارسها الثلاث تشكل قوام قوة مصر الناعمة، ثالوث معمر، قادر على التأثير، والتغيير، وإحداث النقلة التي تتشوق لها صحافة اليوم. لا ينسينا محبة الأهرام إسهامات مقدرة لمدارس صحفية عريقة، دار الهلال، ودار التحرير، ودار المعارف، والبيوت الثلاث من بيوتات الصحافة المصرية العريقة، وعمرت طويلا، وأضافت لنهر الصحافة المصرية كثيرا. الصحافة القومية ليست المؤسسات القومية لا تصدر صحفا، ولكنها تتصدر المشهد الإعلامي الوطني، حراس على بوابات الوعي الوطني، وتستعيد ألقها، تحت رعاية من الهيئة الوطنية للصحافة التي أخذت علي عاتقها عودة الروح لمؤسسات الصحافة القومية، وعلى رأسها مؤسسة (جامعة الأهرام العريقة) التي تمسك دفة السفينة وتوجهها إلى خطها الوطني المستقيم.

انتهاء، المقارنات المخلة لا تستقيم تقييما، والانحيازات العصبية تخل بالسياق، ولكل مؤسسة إسهاماتها الوطنية التي ترفد نهر الصحافة القومية يجري يسقي الأرض العطشى للثقافة والصحافة في غمار «معركة الوعي» التي يخوضها الوطن في مواجهة طيور الظلام.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية