تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

«الطيب».. و نوبل للسلام

المبجلة «نوبل».. أرفع الجوائز العالمية وأقدمها، و«السلام»؛ هي إحدى جوائزها الخمس التي أوصى بها ألفرد نوبل، تُمنح سنويًا في العاصمة النرويجية أوسلو في العاشر من ديسمبر من كل عام، و يتم اختيار الشخصيات للجائزة من قبل هيئة يعينها البرلمان النرويجي، وتمنح للذين «قاموا بأفضل عمل للتآخي بين الأمم، من أجل الحفاظ على السلام وتعزيزه».
 
بداية مبشرة، واسترسال مريح، لكن المتتبع لتاريخ الجائزة غالبًا ما يصطدم بجدار الجدال، الذي يطال اللجنة المانحة أو الشخصيات الممنوحة، فيجد احتفاءً وتكريمًا تارة، وانتقادات وحملات تشكيك تارة أخرى، «ثنائية»؛ لا تنفصم في كثير من الأحوال، قد تصل أحيانًا إلى حد المطالبة بنزع الجائزة، ومن الأسماء الممنوحة التي شهدت رفضًا من البعض؛ أون سان سوتشي والتي تشغل حاليًا منصب مستشار الدولة في ميانمار، و رئيس الكيان الصهيوني السابق، شيمون بيريز، نظرًا لممارسات بلادهما ضد الشعوب، حتى في مجال الأدب لم تسلم  الأديبة الفرنسية "آني إرنو" من الإعلام العبري نظرًا لمواقفها المؤيدة للفلسطينيين.
 
و لا أخفي سرًا، أن هناك من ألبس جائزة نوبل للسلام عباءة السياسة، مستشهدًا بدعم أوكرانيا في ظل الحرب التي تشهدها حاليًا، إذ منحت الجائزة لثلاثة أطراف وهم أليس بيالياتسكي من  بيلاروس، ومجموعة ميموريال الروسية لحقوق الإنسان، و مركز الحريات المدنية بأوكرانيا، لدورهم في توثيق جرائم الحرب، وانتهاكات حقوق الإنسان وإساءة استخدام السلطة.
 
هل يستحق شيخ الأزهر جائزة نوبل للسلام؟
 
وسط هذه الانتقادات الواسعة التي طالت العديد من الشخصيات الفائزة بجائزة نوبل للسلام والتي لم يتفق عليها الكثير؛ تساؤلات عدة تطرح نفسها بقوة وعلى المنصفين والمانحين الإجابة عليها: هل تستند اللجنة المانحة في خياراتها على المعايير المهنية أم الاعتبارات السياسية؟ وهل يستحق فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر رئيس مجلس حكماء المسلمين، الفوز بهذه الجائزة، كونه أحد أبرز دعاة السلام في العالم في العقد الأخير؟
 
علمتني الحياة؛ أن طريق السلام بمثابة طوق النجاة، وعلى مدى أكثر من سبعة أعوام قضيتها بحكم عملي في متابعة حراك السلام؛ أيقنت أن كل البشر يبحثون عنه، ولكن "الكل فيما يعشقون مذاهب"، واليوم يحق عليّ الإذعان والاعتراف -وكلي فخر- بسعي الإمام الطيب الدؤوب و مجلس حكماء المسلمين، على طريق السلام، ذلك الطريق الذي لا يرتاده إلا المخلصين، وخلال كلمات موجزة أحب أن أُلقى بعض الضوء على سيرة الإمام الطيب الذي كرّس حياته لتعزيز المواطنة والعيش المشترك ونشر السلام في ربوع العالم.
 
عن السلام الحقيقي أتحدث.." وعن أحد رموزه المستحقين لجائزة نوبل للسلام في هذا العقد؛ أسطر كلماتي، كانت طفولته هي البداية، ولد في قرية «القرنة»، ابن آل الطيب عائلة الزهد وإصلاح ذات البين،  تربي منذ نعومة أظافره على منهج الوسطية والاعتدال، و شب على حب العدل والخير والسلام، و شهد -في صغره- مجالسِ المُصالَحاتِ والمحاكمِ العُرفيَّةِ التي ترأسها جَدُّه ووالده في «ساحة الطيب»، وعندما بلغ من العمر 25 عامًا أصبح مشاركًا ومحققًا في هذه المجالس مع والده وأشقائه، ولا يزال حتى الآن يتابع أعمال هذه المهام النبيلة مع شقيقه الأكبر.
 
إمام السلام، الإمام المجدد، ادعه بما شئت، هو صاحب المسيرة العامرة بالعديد من الدرجات العلمية، والزاخرة بالمؤلفات والمناصب والمحاضرات ومنها: «رأي في حوار الشرق والغرب» و«الشرق والغرب والسلام المفقود» و «السلام أوَّلًا» و «حديث في السلام» و «من أجل السلام» و «نحو عالم متكامل ومتفاهم» وغيرها من الجهود التي شكلت الصورة الذهنية الصحيحة والمعاصرة للأزهر والمسلمين في عيون الشرق و الغرب، حاصدًا العديد من الأوسمة والجوائز لدعمه قيم السلام في جميع أنحاء العالم.
 
علينا أن نعترف بكل إنصاف، بجهود الرجل على المستويات كافة، المحلية والإقليمية والدولية؛ و نشره ثقافة المحبة والتسامح والوحدة الوطنية، أنشأ لأول مرة  بيتًا للعائلة المصرية لتأكيد المواطنة والعمل المشترك في تجربة ناجحة أشاد بها العالم واستلهمتها الشعوب، وأتبعه بإنشاء اللجنة العليا للمصالحات لإنهاء الخصومات الثأرية، دافعًا عجلة الحوار بين حكماء الشرق والغرب عبر مجلس حكماء المسلمين، الذي تبني حراك السلام، بأمانة ابن مصر البار المستشار محمد عبد السلام.
 
عذرًا يا «روديارد كبلنغ» لقد التقى الشرق والغرب برعاية الإمام الطيب، ماحيًا مقولتك التاريخية الشهيرة «الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا».. بل التقيا !!، و ما لبث الإمام أن حلّق عاليًا يجوب العالم شرقًا وغربًا،  لتحتضن أطروحاته للتآخي عواصم العالم الواحدة تلو الأخرى، رغم تعارض التقاليد والموروثات الروحية والثقافية، بل والحالة السياسية الغير متناغمة أحيانًا، لكن الكل اجتمع في حضرة السلام.
 
أدعو المانحين أن يمعنوا النظر في سيرة فضيلته وجهوده، حتى لا يجدوا في أنفسهم حرجًا في اختيار شخصيات لم تلقَ القبول، وأن يتأملوا مواقفه الرافضة للإرهاب و القوافل التي سيرها للسلام، وجولاته المتعددة لحوار حكماء الشرق والغرب، وتلبيته استغاثات الفقراء والمهجّرين والمظلومين حول العالم، كلها جهود تترى توجت بـوثيقة «الأخوة الإنسانية»، ما حمل المنظَّمَة الأمميّة على اعتبار يوم توقيع الوثيقة؛ يومًا عالميًّا يرتبط جذريًّا بنشر السلام في العالم، و أصبح السلام مقترنا باسمه، إذا ذُكر السلام في محفل ذُكر اسم الطيب معه، وكأنه أصبح أيقونته.
 
ذلك هو الشوق بطبيعته وتقاليده، أن ينتظر العالم كل عام متسائلًا، لمن تكون جائزة نوبل للسلام؟، من هو صاحب السعادة المرتقب؟، ورجل السلام المتوج؟، ونحن ننتظر أيضًا ويحدونا الأمل، أن يكون صاحب السعادة المرتقب فضيلة الإمام الطيب، ذلك النموذج المصري الأصيل، رجل السلام الحقيقي الذى كرس حياته منذ الصغر لإفشائه بين الناس، حتى اتفقت عليه القلوب والعقول، واجتمعت عليه الرؤى والآراء، فهو القائل داعيًا ربه: «أتمنى أن ألقى الله وأنا سائر في طريق صنع السلام والتسامح».

  •  

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية