المعقد نفسيًا دائم التكلف بصورة فجة، ودائب تأزم الحياة، ويعكس شؤومه على المحيطين به، غير أنه شخصية متعجرفة، والشخص البسيط يعتبر الوجه الآخر للشخص المتكلف، والعاشق للبساطة ينفر من الشخص المعقد المتكبر، وتجده شخصا لين الجانب، ولذا يشعر كل من يعاشره براحة وبقبول، وغالبا ما يكون شخص ناجحا اجتماعيا وعمليا، وحين يخطئ الشخص البسيط لا يراوغ ولا يسرف في مبرراته.

أشاعوا عبر التاريخ أنه شهريار الغارق في ملذاته، وإذا تصفحت أوراق التاريخ تكتشف أنه كان طالبا منصتا في مجلس العلماء، لا يعرف التكلف،

ويحكي أن هارون الرشيدي بلغ لعلمه أثناء صلاته في المسجد النبوي بوجود الإمام مالك في المسجد، فاستدعى هارون الإمام للحضور إلى مجلسه ليستمع إليه، فجاءه رد الإمام مالك أن العلم لا يأتي إنما يؤتي إليه، فهبَّ متجها إلى درس الإمام في المسجد النبوي، وجلس في نهاية المجلس على الأرض منصتا.

ويبزغ نجم الدكتور أحمد زويل في عصرنا الحديث كأحد عشاق البساطة، هذا ما قال عنه نجله الدكتور هاني زويل ، واستطرد في حديثه عن سيرة والده، وقال إن بيتنا في أمريكا جعله مصريا خالصا، استحق زويل وأمثاله من النوابغ إشادة الحكماء لهم، وقالوا إن أفضل العلماء تواضعا أكثرهم علما، ولذا كانت البساطة شقيقة التواضع، ولا يأنف العلماء من محبي البساطة أن ينسبوا الفضل لنجاحهم إلى فلان وفلان وبشكل علني، هكذا كان هارون وزويل.

ولا يختلف شخص على تواضع وبساطة الدكتور مصطفى محمود ، فقد استطاع تبسيط العلوم بأسلوب يسير، واستوعبها العامة من الناس، وطرح مفاهيمه الفلسفية بمنتهى البساطة، وربط العلوم ومراحل نشأة الكون بالدين بلغة خالية من التعقيد، وقالوا عن الدكتور محمود أديب الأطباء وطبيب الأدباء، ومن أروع أقواله: ابتسم عندما تجلس مع عائلتك.. فهناك من يتمنى عائلة، ابتسم عندما تذهب إلى عملك.. فالكثير مازال يبحث عن وظيفة، وقال: لا تشارك غيورا حسودا.. ولا تجاور جاهلا.. ولا تصاحب بخيلا، وتتجلى أجمل أقواله في وصف الرحمة بأنها أعمق من الحب وأصفى وأطهر، وتجمع بين الحب والتضحية.. وفيها إنكار الذات.. وفيها العطف والتسامح.

ويخطئ من يظن أن البساطة خنوع، أو سحق للنفس من أجل الآخرين، وفي ذلك قال تعالى: "ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور"، والبساطة كما يعرفها العقلاء طريق للتصالح مع النفس، والسبيل المختصر لراحة البال، ولا تعني بساطة الشخص أنه ضعيف وفقير في مظهره، والبسيط غير مدّعٍ.