تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > حسام فاروق > بورسعيد‭ .. ‬مدينة هزمت‭ ‬ثلاثة‭ ‬جيوش

بورسعيد‭ .. ‬مدينة هزمت‭ ‬ثلاثة‭ ‬جيوش

مرت‭ ‬بالأمس‭ ‬الذكرى‭ ‬السابعة‭ ‬والستون‭ ‬لجلاء‭ ‬العدوان‭ ‬الثلاثى‭ ‬عن‭ ‬بورسعيد‭ ‬و‭ ‬هو‭ ‬اليوم‭ ‬الذى‭ ‬اتخذته‭ ‬المحافظة‭ ‬عيدا‭ ‬قوميا،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬درس‭ ‬بورسعيد‭ ‬ليمر‭ ‬مرور‭ ‬الكرام‭ ‬على‭ ‬ثلاثة‭ ‬جيوش‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬غازية‭ ‬ظنت‭ ‬أن‭ ‬الصيد‭ ‬سهل،‭ ‬فأوقعتها‭ ‬المدينة‭ ‬الباسلة‭ ‬فى‭ ‬مصيدة‭ ‬كانت‭ ‬ولا‭ ‬تزال‭ ‬حديث‭ ‬المؤرخين‭ ‬العسكريين‭ ‬فى‭ ‬العالم!

‭ ‬فكيف‭ ‬لمدينة‭ ‬صغيرة‭ ‬أن‭ ‬تقلم‭ ‬أظافر‭ ‬بريطانيا‭ ‬العجوز‭ ‬وتصفع‭ ‬فرنسا‭ ‬وإسرائيل‭. ‬
الحديث‭ ‬عن‭ ‬المقاومة‭ ‬فى‭ ‬بورسعيد‭ ‬ليس‭ ‬بداية‭ ‬القصة؛‭ ‬بل‭ ‬ربما‭ ‬يكون‭ ‬مسك‭ ‬ختامها،‭ ‬فالحكاية‭ ‬بدأت‭ ‬عندما‭ ‬أعلن‭ ‬الزعيم‭ ‬الراحل‭ ‬جمال‭ ‬عبدالناصر‭ ‬قرار‭ ‬تأميم‭  ‬قناة‭ ‬السويس،‭ ‬القرار‭ ‬الذى‭ ‬نزل‭ ‬كالصاعقة‭ ‬على‭ ‬دول‭ ‬الاستعمار‭ ‬القديم،‭ ‬فكتم‭ ‬ساسة‭ ‬العالم‭ ‬أنفاسهم‭ ‬غير‭ ‬مصدقين‭: ‬ما‭ ‬الذى‭ ‬يقوله‭ ‬هذا‭ ‬الرجل؟‭ ‬هل‭ ‬أطاح‭ ‬بنا‭ ‬من‭ ‬شركة‭ ‬القناة؟

‭ ‬والحقيقة‭ ‬أن‭ ‬عبد‭ ‬الناصر‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يقول‭ ‬فقط؛‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬يقول‭ ‬وينفذ‭ ‬فى‭ ‬نفس‭ ‬اللحظة‭ ‬ففى‭ ‬حين‭ ‬يعلن‭ ‬التأميم‭ ‬فى‭ ‬خطابه‭ ‬الشهير‭ ‬بميدان‭ ‬المنشية،‭ ‬كانت‭ ‬مجموعات‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬تنفذ‭ ‬القرار‭. ‬

أوقف‭ ‬عبد‭ ‬الناصر‭ ‬العالم‭ ‬على‭  ‬قدميه‭ ‬ولم‭ ‬يجلسه‭ ‬بقرار‭ ‬رأى‭ ‬أنه‭ ‬لابد‭ ‬منه‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬تداعياته،‭ ‬قبل‭ ‬فترة‭ ‬من‭ ‬القرار‭ ‬كانت‭ ‬مصر‭ ‬قد‭ ‬تقدمت‭ ‬بطلب‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬قرض‭ ‬من‭ ‬صندوق‭ ‬النقد‭ ‬الدولي،‭ ‬لتمويل‭ ‬مشروع‭ ‬السد‭ ‬العالي،‭ ‬وتمت‭ ‬الموافقة‭ ‬على‭ ‬الطلب‭ ‬فى‭ ‬البداية،‭ ‬ولكن‭ ‬إسرائيل،‭ ‬التى‭ ‬كانت‭ ‬تحتل‭ ‬الأراضى‭ ‬العربية في فلسطين عقدت‭ ‬صفقة‭ ‬أسلحة‭ ‬مع‭ ‬فرنسا،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬دفع‭ ‬مصر‭ ‬لطلب‭ ‬السلاح،‭ ‬من‭ ‬بريطانيا‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬فرفضتا،‭ ‬ليصب‭ ‬ذلك‭ ‬فى‭ ‬صالح‭ ‬ترسانة‭ ‬الأسلحة‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬فتوجه‭ ‬عبد‭ ‬الناصر‭ ‬شرقا‭ ‬إلى‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتى‭ ‬الذى‭ ‬وافق‭ ‬على‭ ‬دعم‭ ‬مصر‭ ‬وقوتها‭ ‬العسكرية،‭ ‬فى‭ ‬إطار‭ ‬الحرب‭ ‬الباردة‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭.

لم‭ ‬يجد‭ ‬عبدالناصر‭ ‬وسيلة‭ ‬لتمويل‭ ‬السد،‭ ‬إلا‭ ‬تأميم‭ ‬قناة‭ ‬السويس،‭ ‬التى‭ ‬حفرت‭ ‬بعرق‭ ‬ودماء‭ ‬المصريين‭ ‬وما‭ ‬كان‭ ‬ينبغى‭ ‬أن‭ ‬يجنى‭ ‬ثمرة‭ ‬هذا‭ ‬العرق‭ ‬وتلك‭ ‬الدماء‭ ‬سوى‭ ‬أحفاد‭ ‬من‭ ‬حفروها،‭ ‬أول‭ ‬رد‭ ‬فعل‭ ‬دولى‭ ‬على‭ ‬قرار‭ ‬التأميم،‭ ‬كان‭ ‬أن‭ ‬شنت‭ ‬جيوش‭ ‬ثلاث‭ ‬دول‭ ‬هى‭ ‬‮«‬بريطانيا‭ ‬وفرنسا‭ ‬وإسرائيل‮»‬‭ ‬هجوما‭ ‬على‭ ‬مصر،‭ ‬ولكل‭ ‬دولة‭ ‬هدفها‭ ‬وحساباتها:
‭ ‬فبريطانيا‭ ‬كانت‭ ‬تريد‭ ‬الانتقام‭ ‬من‭ ‬عبد‭ ‬الناصر،‭ ‬بسبب‭ ‬تحقيق‭ ‬الجلاء،‭ ‬وتحالفه‭ ‬مع‭ ‬السوفيت،‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬نفوذ‭ ‬بريطانيا‭ ‬فى‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭
‬أما‭ ‬فرنسا‭ ‬فلم‭ ‬تجد‭ ‬وسيلة‭ ‬لاسترجاع‭ ‬نفوذها‭ ‬على‭ ‬القناة،‭ ‬سوى‭ ‬عقد‭ ‬بروتوكول‭ ‬‮«‬سيفرز‭ ‬أملين‮»‬‭ ‬السري،‭ ‬مع‭ ‬بريطانيا‭ ‬وإسرائيل،‭ ‬لاستخدام‭ ‬القوى‭ ‬العسكرية‭ ‬ضد‭ ‬مصر،‭ ‬والانتقام‭ ‬من‭ ‬عبدالناصر‭ ‬بسبب‭ ‬مساندته‭ ‬لثورة‭ ‬الجزائر،‭
‬فى‭ ‬حين‭ ‬وجدت‭ ‬إسرائيل‭ ‬الفرصة‭ ‬سانحة‭ ‬لتدمير‭ ‬القوة‭ ‬العسكرية‭ ‬المصرية‭ ‬طمعا‭ ‬فى‭ ‬احتلال‭ ‬سيناء‭.‬

بدأ‭ ‬تنفيذ‭ ‬المؤامرة‭ ‬فى‭ ‬29‭ ‬أكتوبر‭ ‬1956‭ ‬هبطت‭ ‬القوات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬فى‭ ‬عمق‭ ‬سيناء،‭ ‬واتجهت‭ ‬إلى‭ ‬قناة‭ ‬السويس،‭ ‬لإقناع‭ ‬العالم‭ ‬أن‭ ‬الملاحة‭ ‬فى‭ ‬القناة‭ ‬مهددة،‭ ‬وفى‭ ‬اليوم‭ ‬التالى‭ ‬30‭ ‬أكتوبر،‭ ‬أصدرت‭ ‬فرنسا‭ ‬وبريطانيا،‭ ‬إنذاراً‭ ‬يطالب‭ ‬بوقف‭ ‬القتال،‭ ‬وانسحاب‭ ‬مصر‭ ‬وإسرائيل‭ ‬لمسافة‭ ‬10‭ ‬كم‭ ‬عن‭ ‬القناة،‭ ‬وقبول‭ ‬احتلال‭ ‬مدن‭ ‬القناة‭ ‬بواسطة‭ ‬الدولتين‭ ‬بريطانيا‭ ‬وفرنسا،‭ ‬بغرض‭ ‬حماية‭ ‬الملاحة‭ ‬الدولية‭.‬

رفضت‭ ‬مصر‭ ‬احتلال‭ ‬إقليم‭ ‬القناة،‭ ‬وفى‭ ‬اليوم‭ ‬التالى‭ ‬31‭ ‬أكتوبر،‭ ‬هاجمت‭ ‬الدولتان‭ ‬مصر،‭ ‬لاستكمال‭ ‬باقى‭ ‬المؤامرة،‭ ‬و‭ ‬بدأ‭ ‬العدوان‭ ‬الأنجلوفرنسى‭ ‬على‭ ‬مدن‭ ‬القناة،‭ ‬بالغارات‭ ‬على‭ ‬بورسعيد‭ ‬فى‭ ‬5‭ ‬نوفمبر‭ ‬1956،‭ ‬وأحرقت‭ ‬القوات‭ ‬البريطانية‭ ‬حى‭ ‬المناخ‭ ‬بأكمله‭ ‬بالنابالم،‭ ‬وفى‭ ‬حى‭ ‬العرب،‭ ‬دمروا‭ ‬بالطائرات‭ ‬منطقة‭ ‬الجمرك‭ ‬القديمة،‭ ‬وعددا‭ ‬من‭ ‬العمارات‭ ‬السكنية،‭ ‬وتم‭ ‬الإنزال‭ ‬المزدوج‭ ‬البريطاني،‭ ‬فى‭ ‬مطار‭ ‬الجميل‭ ‬غرب‭ ‬المدينة،‭ ‬بينما‭ ‬كان‭ ‬الإنزال‭ ‬الفرنسى‭ ‬فى‭ ‬منطقة‭ ‬الرسوة‭ ‬جنوب‭ ‬بورسعيد،‭ ‬بجانب‭ ‬الإنزال‭ ‬البرمائى‭ ‬البحري،‭ ‬والإنزال‭ ‬بالهليكوبتر‭ ‬البريطاني‭.‬

لم‭ ‬يترك‭ ‬أهل‭ ‬بورسعيد‭ ‬مدينتهم‭ ‬للغزاة‭ ‬ولم‭ ‬يستسلموا‭ ‬بل‭ ‬قدموا‭ ‬أعظم‭ ‬ملحمة‭ ‬للمقاومة‭ ‬والصمود،‭ ‬فكان‭ ‬القتال‭ ‬من‭ ‬منزل‭ ‬لمنزل،‭ ‬وتمكنت‭ ‬المقاومة‭ ‬من‭ ‬تكبيد‭ ‬القوات‭ ‬المهاجمة‭ ‬خسائر‭ ‬كبيرة‭ ‬فى‭ ‬حرب‭ ‬شوارع،‭ ‬تم‭ ‬التخطيط‭ ‬لها‭ ‬وفقا‭ ‬لتنظيم‭ ‬محكم،‭ ‬من‭ ‬الجيش‭ ‬المصري،‭ ‬ونفذت‭ ‬المقاومة‭ ‬عمليات‭ ‬فدائية‭ ‬منظمة‭ ‬بثت‭ ‬الرعب‭ ‬فى‭ ‬قلوب‭ ‬القوات‭ ‬المعتدية،‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬تفوقها‭ ‬بالعتاد‭ ‬والسلاح،‭ ‬ونجحت‭ ‬المقاومة‭ ‬فى‭ ‬أسر‭ ‬الضابط‭ ‬‮«‬أنطونى‭ ‬مور‭ ‬هاوس‮»‬،‭ ‬ابن‭ ‬عمة‭ ‬الملكة‭ ‬أليزابيث،‭ ‬ملكة‭ ‬إنجلترا،‭ ‬وقتل‭ ‬الماجور‭ ‬جون‭ ‬وليامز،‭ ‬رئيس‭ ‬مخابرات‭ ‬القوات‭ ‬البريطانية‭ ‬فى‭ ‬بورسعيد،‭ ‬ونفذ‭ ‬هذه‭ ‬العملية‭ ‬الفدائى‭ ‬سيد‭ ‬عسران‭ ‬،‭ ‬وقامت‭ ‬المقاومة،‭ ‬بالتعاون‭ ‬مع‭ ‬مجموعة‭ ‬الصاعقة،‭ ‬بمهاجمة‭ ‬الدبابات‭ ‬البريطانية‭ ‬فى‭ ‬شوارع‭ ‬بورسعيد،‭ ‬بقيادة‭ ‬بطل‭ ‬الصاعقة‭ ‬الملازم‭ ‬إبراهيم‭ ‬الرفاعي،‭ ‬كما‭ ‬هاجمت‭ ‬كتيبة‭ ‬بريطانية‭ ‬نهارا‭ ‬فى‭ ‬مبنى‭ ‬مدرسة‭ ‬الوصفية‭ ‬وتكبدت‭ ‬القوات‭ ‬المهاجمة‭ ‬خسائر‭ ‬كبيرة،‭ ‬تسببت‭ ‬فى‭ ‬فضيحة‭ ‬عالمية‭ ‬لها،‭ ‬

ونجحت‭ ‬تحركات‭ ‬مصر‭ ‬الدولية،‭ ‬بمساندة‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬الثالث‭ ‬التى‭ ‬كانت‭ ‬تقاوم‭ ‬الاستعمار،‭ ‬فى‭ ‬إصدار‭ ‬الجمعية‭ ‬العامة‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬فى‭ ‬2‭ ‬نوفمبر،‭ ‬قرارا‭ ‬بوقف‭ ‬القتال‭ ‬ثم‭ ‬خرج‭ ‬إنذار‭ ‬موسكو‭ ‬فى‭ ‬3‭ ‬نوفمبر،‭ ‬باستخدام‭ ‬القوة‭ ‬النووية،‭ ‬حال‭ ‬استمرار‭ ‬العمليات‭ ‬القتالية،‭ ‬ليغير‭ ‬خريطة‭ ‬العدوان‭ ‬ويضع‭ ‬العالم‭ ‬على‭ ‬شفا‭ ‬حرب‭ ‬عالمية‭ ‬ثالثة،‭ ‬فاضطرت‭ ‬إنجلترا‭ ‬وفرنسا‭ ‬إلى‭ ‬قبول‭ ‬وقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار‭ ‬فى‭ ‬7‭ ‬نوفمبر،‭ ‬وفى‭ ‬22‭ ‬ديسمبر‭ ‬انسحبت‭ ‬القوات‭ ‬المعادية‭ ‬من‭ ‬بورسعيد،‭ ‬وفى‭ ‬اليوم‭ ‬التالى‭ ‬23‭ ‬ديسمبر‭ ‬تسلمت‭ ‬السلطات‭ ‬المصرية‭ ‬المدينة،‭ ‬واستردت‭ ‬القناة،
‭ ‬وصار‭ ‬هذا‭ ‬اليوم‭ ‬عيدا‭ ‬للنصر‭ ‬وعيدا‭ ‬قوميا‭ ‬لبورسعيد‭.‬

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية