تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
حسين حويدق والسياحة العلاجية
صاحب نظرة ثاقبة ورؤية شاملة لصناعة السياحة في مصر، ظل يحلم بحركة سياحية تليق بعروس الدلتا «المنصورة»؛ تلك المدينة التي تم تأسيسها منذ أكثر من ثمانية قرون، وأُطلق عليها حينها «جزيرة الورد»، قبل أن تُعرف لاحقًا باسم «المنصورة»، تيمنًا بالانتصار التاريخي على حملة لويس التاسع وأسره في دار قاضي المدينة «ابن لقمان».
كان يدرك أن أكبر عقبة تحول دون تحقيق حلمه هي افتقار المدينة لطاقة فندقية قادرة على استقبال واستيعاب روادها.
فأقام أول فندق بالمدينة، بعد أن تهالكت «اللوكندات» القديمة، وهو «مارشال المحطة» المواجه لمحطة السكة الحديد، لكنه سرعان ما ضاق ذرعًا برواده.
في تلك الأثناء، بدأت المنظومة الطبية لجامعة المنصورة في النمو، وتضاعفت مراكزها الطبية، بعد النجاح المذهل الذي حققه مركز الكلى والمسالك البولية، والذي أسسه عالم مصر الكبير الدكتور محمد غنيم، رائد زراعة الكُلى في الشرق الأوسط.
ففي غضون أعوام قليلة، أصبح المركز من أهم المراكز العالمية في مجال الكُلى وجراحات المسالك البولية، بفضل المدرسة العلمية الفريدة للدكتور غنيم، والأداء العصري الصارم والمنضبط داخل المركز، حيث تُقدَّم أفضل خدمة طبية لجميع المرضى على ذات المستوى، دون النظر إلى الطبقة الاجتماعية أو القدرة المادية. فأفقر وأبسط مريض يلقى ذات الرعاية التي يتلقاها الوزير أو أغنى مريض.
أدرك رجل السياحة الأول بمحافظة الدقهلية أن المدينة أصبحت في حاجة ماسة إلى المزيد من الفنادق لاستيعاب المرضى الوافدين إليها من محافظات مصر المختلفة، وكذلك من الدول العربية والإفريقية، بل والأوروبية أحيانًا.
فأقام في بداية التسعينيات من القرن الماضي أحد أشهر فنادق المدينة، وهو “مارشال الجزيرة”، ليسد فجوة كبيرة في استيعاب زوّار المدينة، خاصة المرضى ومرافقيهم.
حسين حويدق، أو كما كان يطلق عليه أبناء المنصورة “الحاج حسين حويدق”، الذي رحل عن عالمنا منذ ساعات، وخرج الآلاف من أبناء المدينة لتوديعه إلى مثواه الأخير، كان أول من أدرك أن المنصورة مؤهلة لأن تكون مركزًا للسياحة العلاجية في مصر.
كان يحلم بإعدادها لهذا الدور الحيوي، من خلال استكمال بنيتها الفندقية، إلى جانب تطوير مرافقها وشوارعها، خاصة تلك المحيطة بالحرم الطبي لجامعة المنصورة، والذي يضم اليوم 13 مركزًا طبيًا عالميًا تخصصيًا.
كان الرجل أيضًا مدركًا لقيمة ومكانة قامات مصر الفكرية والفنية والعلمية.
فقد خصص جناحًا في فندقه الأخير باسم الراحل الكبير أنيس منصور، ولا يزال الجناح يحمل اسمه حتى اليوم. وكان أنيس منصور يقيم به كلما زار المنصورة، حيث كان يستقبل فيه أصدقاءه المقربين، وعلى رأسهم الدكتور محمد غنيم.
وقد شاركني الراحل الكريم حسين حويدق جانبًا من لقائنا الطويل مع الكاتب الكبير أنيس منصور في فندقه، والذي امتد لأكثر من ساعتين، وتبادلنا خلاله الآمال والهموم والأحلام المتعلقة بالمنصورة، كجزء من أحلام وتطلعات أبناء الوطن بأسره.
كما خصص جناحًا آخر باسم كوكب الشرق أم كلثوم، ابنة محافظة الدقهلية، تقديرًا وعرفانًا بدورها المحوري في مسيرة الفن والغناء العربي.
نشاط حسين حويدق في العمل العام كان معروفًا للقاصي والداني من أبناء المدينة؛ فقد شغل منصب رئيس منطقة الدقهلية لكرة القدم لسنوات طويلة، إلى جانب دعمه المستمر للعديد من الجمعيات الأهلية.
ظل يحلم للمنصورة بعودتها “جزيرة الورد”، وكثيرًا ما طالب بالحفاظ على كورنيش المدينة من التشوّهات.
وقد امتدت جلستنا الأخيرة لعدة ساعات، وكان مندهشًا من بناء مول على الكورنيش، وهو المول الذي شوَّه المظهر الحضاري لعروس الدلتا، والذي يبذل المحافظ اللواء طارق مرزوق حاليًا جهودًا مضنية لإعادة تأهيله، بعدما فوجئ عقب توليه مسؤولية المحافظة بأن “الأشباح” تسكنه.
رحم الله رجل السياحة الأول بالدقهلية، المرحوم حسين حويدق.
وأثق تمامًا أن ابنيه العزيزين الدكتور محمد، والمحاسب خالد، سيواصلان مسيرته لتحقيق جزء من طموح والدهما في أن تتحول المنصورة إلى عاصمة مصر الطبية، وواحة حقيقية للسياحة العلاجية، دعمًا للاقتصاد الوطني.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية