تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

" عقيدة " أم " عقدة " ؟

تأملت طويلًا في واقع هذه الأرض الطيبة التي نعيش عليها، أرضٍ كأنما كُتب عليها أن تبقى في قلب الصراع، لا تهدأ فيها العواصف، ولا يغيب عنها الضجيج ، سألت نفسي مراراً : هل ما نراه من أزمات ومحن، هو بالفعل نتيجة مؤامرات تُحاك ضدنا ؟ ، أم أن بعضنا يهوى العيش في دوامة الوهم، يصوغ لنفسه سيناريوهات يصعب تصديقها ؟ . 

كثيرون يرددون بتهكم : " كفاكم أوهاماً ، ومن أنتم حتى يتآمر عليكم العالم ؟ ، حضارتكم باتت جزءاً من كتب التاريخ، وماضيكم لا يطعم حاضراً تتقاذفه الأزمات والمشكلات " ، ويصل الأمر بالبعض أن يُصدق هذه السخرية، فيتبنى فكرة أن " نظرية المؤامرة " ، ليست سوى غطاء هش تُلقي عليه الأنظمة فشلها، وتُسدل عليه الحكومات ستار ضعفها وسوء إدارتها .
 

لكنني رفضت الاكتفاء بهذا التفسير الكسول، وعدت أراجع تاريخ الدولة المصرية بعين فاحصة ، نظرت إليها لا من منظور جغرافي فحسب، بل من زاوية روحية وتاريخية وحضارية ، تلك الأرض التي لم تخلُ يومًا من رسالة، أو نبي، أو صراع ، أرضٌ مرّ عليها يوسف، وموسى، وفرعون، ومن قبلهم ومن بعدهم كثيرون .

عدت إلى القرآن، إلى قصة يوسف، إلى نشأة موسى، إلى المواجهة العظمى بينه وبين فرعون ، تدفقت الصور في ذهني، وبدت لي كأنها شريط متصل لا ينقطع، كأن الزمن يعيد نفسه بثياب جديدة .

تساءلت : لماذا تتكرر النكبات على هذه الأرض ؟ ، لماذا يبدو أن دوائر الصراع تشتد كلما تنفّسنا قليلًا من الأمل ؟ ، لماذا وكأن هناك من يرفض أن تنهض مصر ؟ ، وهنا جاءني النداء الداخلي :  " انظر من يحكم العالم اليوم ؟ ، من يتحكم في الإعلام والمال والسياسة والقرار ؟ ، من صنع الخرائط الحديثة من فجّر الحروب ؟ ، من أشعل الثورات ؟ ، من موّل الانقلابات، وخلق الفوضى الخلاقة ؟ . 

تعمّقت أكثر، وظهر أمامي الخيط الرفيع الذي يربط الماضي بالحاضر ، قوم يوسف، الذين استوطنوا مصر، ومنهم خرج موسى، عاشوا في هذه الأرض ردحاً من الزمن، حتى بدأت رحلتهم في التيه ، لكن ما بين الدخول إلى مصر والخروج منها، ولدت فيهم " عقيدة " ، أو بالأحرى " عقدة " . 

إن مصر ليست مجرد محطة في مسيرتهم، بل هي جرحهم المفتوح، وذاكرتهم المريرة ، من تعامل مع الفكر اليهودي يدرك تماماً أن مصر تمثّل لهم عُقدة تاريخية، حملوها معهم في الشتات، وتوارثوها في سردياتهم الدينية والسياسية ، ومع هذه العقدة، ومع ما منحهم التاريخ من نفوذ وثروات وتحالفات، باتوا اليوم من خلف الستار ، يتحكمون في مفاصل القرار العالمي .

هنا بدأت أفهم أن المسألة ليست خيالاً ، ولا أوهاماً تُنسج للتبرير، بل صراع عميق، ضارب في الجذور، بين أرضٍ كتب الله لها أن تكون مهد الرسالات، وقلوبٍ لم تنس أنها طُردت منها فحملت تجاهها ما يشبه ٠ الثأر المقدس " ، نعم إنها ليست مؤامرة تقليدية ، بل " عقيدة سياسية " و " عقدة نفسية " ، صاغت فلسفة الهيمنة لدى من يتحكم في خيوط اللعبة . 
وأمام هذا الفهم، وجدت نفسي أتوقف عند قول الله تعالى : " ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين " .. صدق الله العظيم .

فالمكر قديم، والصراع ممتد، لكن النصر دائمًا لحكمة الله، ولقدر لا يضل ولا ينسى 

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية