تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
أهل الحل والعقد.. حين يغيب العقل وتعلو الفوضى
لم تعرف الأمم طريقها إلى التقدم صدفة، ولم تُبنَ الدول القوية على الصخب ولا على ادعاء المعرفة، وإنما قامت " قديمًا وحديثًا " على مبدأ أصيل : أن يتصدر المشهد أهل الحل والعقد، أولئك الذين يملكون العلم، والخبرة، والقدرة على التقدير والحكم، لا من يرفعون أصواتهم فيما يجهلون .
ففي المجتمعات المتقدمة، لا يتحدث المرء إلا فيما يعلم، ولا يفتي إلا من امتلك أدوات الفهم والمعرفة ، المواطن هناك يدرك حدوده، ويجتهد في عمله، ويتقن تخصصه، ويترك شؤون الدولة لأهلها، دون وصاية، ودون ادعاء بطولة زائفة ولهذا تقدموا .
وعلى النقيض، تأخرت مجتمعاتنا العربية حين هجرنا قيمة التخصص، وتحول الجميع " بلا علم ولا خبرة " إلى خبراء استراتيجيين، وفقهاء دين، ومحللين عسكريين، وقضاة رأي عام ، لم يكن التخلف يومًا ناتجًا عن الأمية وحدها، بل عن الجرأة على ما لا نفقه، والتدخل فيما لا نعي.
وقد عبّر علماء الأمة قديمًا عن هذا المفهوم بوضوح ، ويقول الإمام النووي إن أهل الحل والعقد هم العلماء والرؤساء ووجوه الناس الذين يتيسر اجتماعهم ، ويقول الإمام الجويني : " إن عقد الإمامة هو اختيار أهل الحل والعقد، وهم الأفاضل المستقلون الذين حنكتهم التجارب، وهذبتهم المذاهب، وعرفوا الصفات الواجبة فيمن يناط به أمر الرعية " .
وهنا تتجلى الحكمة : القيادة ليست صخبًا، والحكم ليس فوضى، وإدارة الدول لا تكون بالمنشورات والانفعالات .
إن أخطر ما تواجهه الأوطان ليس الفقر ولا التحديات الخارجية فقط، بل فوضى الوعي، حين يتصدر الجاهل، ويُمنح المنبر لمن لا يملك علمًا ولا أدبًا ولا مسؤولية ، حينها تُستباح هيبة الدولة، وتُستهدف مؤسساتها، ويُشكك في قيادتها، تحت شعارات براقة زائفة مثل “" الحرية .. و الديمقراطية " .
لقد صُدّرت لنا من الخارج مفاهيم مشوهة عن الديمقراطية، لا تهدف إلى الإصلاح، بل إلى هدم الدول من الداخل، وفتح المجال للسفهاء وأصحاب الأجندات ليعبثوا بوحدة المجتمعات، ويشعلوا الانقسام الفكري والعقائدي والأخلاقي والنتيجة : فوضى، سباب، تشويه للناجحين، وتطاول على مؤسسات الدولة، وتدخل الجاهل في شؤون الحرب والسياسة، وفتاوى دينية بلا علم ولا تقوى .
وفي خضم هذا المشهد، تقف الدولة المصرية ومؤسساتها الوطنية وقيادتها السياسية كصمام أمان، تحاول حفظ الاستقرار، وبناء الدولة، ومواجهة التحديات الداخلية والخارجية، وسط ضجيج لا ينتهي، وتشكيك لا يتوقف، ومزايدات لا تخدم إلا أعداء الوطن .
إن دعم الدولة لا يعني تعطيل العقل، بل يعني احترام التخصص، والانضباط، والمسؤولية ، ويعني أن ينشغل كل فرد بإتقان عمله، وبناء أسرته، وخدمة مجتمعه، وترك القضايا المصيرية لأهلها، ممن يمتلكون العلم والخبرة والشرعية .
رحم الله أمة عرفت قدر علمائها، واحترمت مؤسساتها، وقدّرت قيادتها، ووضعت كل إنسان في موضعه الصحيح .
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
كاتب المقال : كاتب ومفكر سياسي ونائب برلماني سابق
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية