تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
الصراع الحقيقي .. غزة لا الضفة
في دهاليز الصراع العربي الإسرائيلي، لا تُقاس الخطورة بالحدود أو بالسلاح، بل بالهوية والدم ، ليست الجيوش ولا التحالفات هي الخطر الحقيقي على الكيان الصهيوني ، بل " غزة .. نعم غزة " ، التي تضيق بها الأرض، وتفيض حياةً، تصير الأن كابوساُ ديموجرافياُ يُرعب إسرائيل أكثر من أي تهديد آخر .
ففي قلب مشهد الصراع العربي الإسرائيلي، تبرز غزة كتهديد استراتيجي لا يُضاهى للكيان الصهيوني، بخلاف ما يشاع بأن الضفة الغربية تمثل الخطر الأكبر ، ولنكن صرحاء، الضفة الغربية لم تعد تهديدًا وجوديًا لإسرائيل؛ إذ تمكنت الأخيرة، إلى حد بعيد، من احتواء سكانها، سواء من خلال دمجهم في سوق العمل، أو عبر محاولات ترويضهم ثقافياً واجتماعياً ، لتقريبهم من نموذج " عرب 48 " .
أما غزة، فالأمر مختلف تمامًا ، تلك البقعة الصغيرة التي تم اقتلاعها من تحت الوصاية المصرية بعد نكسة 1967، تشكل معضلة نفسية، عقائدية، وسكانية لإسرائيل ، سكان غزة بطبيعتهم وتاريخهم وهويتهم يصعب جداً أن يقبلوا بالاندماج في المجتمع الإسرائيلي، أو حتى أن يتعايشوا معه ضمن حدوده السياسية أو الثقافية .
والمفارقة الأخطر أن غزة، رغم صغر مساحتها، تسجل أعلى معدلات الخصوبة في العالم، ومجتمعها من بين الأكثر تعليماً وتماسكاً في المقابل، يعاني المجتمع الإسرائيلي من تراجع في معدلات المواليد ، وهذه الفجوة الديموجرافية المتصاعدة لا تعني فقط زيادة في أعداد الفلسطينيين، بل تعني أن غزة تضغط على إسرائيل ضغطاً وجودياً، وتكاد تنفجر بسكانها في وجه الاحتلال .
وهنا المعادلة واضحة : غزة تنمو، وإسرائيل تنكمش ، وإن استمر الحال، فوجود إسرائيل نفسه سيكون مهدداً ليس بالسلاح أو الحرب، بل بالولادات، وبالتفوق البشري الذي لا يمكن السيطرة عليه .
وقد يتساءل البعض : لماذا لا تسعى إسرائيل لإبرام سلام مع غزة ؟
والإجابة بسيطة : لأن دمج غزة ضمن إسرائيل يهدد بإذابة المجتمع الإسرائيلي داخل المجتمع الفلسطيني، وليس العكس ، وأي محاولة للسلام الحقيقي تعني فتح الأبواب أمام الانصهار الديموغرافي، وهي مخاطرة وجودية لا يمكن لإسرائيل تحملها ، لذا، فإن كل التحركات الإسرائيلية تهدف إلى دفع غزة نحو مصر، وتفريغ القطاع من سكانه، لتخفيف الضغط عن الكيان الصهيوني .
من هنا، وجدت إسرائيل ضالتها في سيناء ، الخطة التي تسعى لها قوى الاحتلال بشكل مباشر أو عبر وكلاء تتمثل في توطين سكان غزة في سيناء ، فذلك من جهة يخفف الضغط السكاني على إسرائيل، ومن جهة أخرى يضرب أساس الحلم الفلسطيني في الصميم ، فالخطر الحقيقي على إسرائيل ليس جيوشاً ولا حدوداً ، بل هو الشعب الفلسطيني نفسه، وحقه في البقاء على أرضه، وحقه في الإنجاب والحياة والتعلم والنمو .
لذا فمن يطالب بفتح الحدود شريك في التهجير ،إذ تكمن هنا الخدعة الكبرى ، فكل من يطالب بفتح الحدود المصرية أمام التهجير من غزة لا يخرج عن أحد اثنين :
إما من جماعة الإخوان، أو من الصهاينة ، كلاهما يخدم الهدف ذاته، وإن اختلفت الشعارات .
الإخوان لا تعنيهم الدولة الوطنية من الأصل ، لقد صرّحوا صراحة بـ " طُظ في مصر " ويؤمنون بأن القضايا الكبرى ليست سوى أدوات للوصول إلى الحكم .
أما الصهاينة، فغايتهم واضحة : إخلاء القطاع، وإنهاء القضية الفلسطينية، وتصفية حلم الدولة .
ويجب ألا ننسى أن الإخوان هم من استقدموا حماس وحزب الله عام 2011 لاختراق الحدود المصرية، وتسببوا في اقتحام السجون، وإغراق سيناء في مستنقع الإرهاب، وإراقة دماء الأبرياء من مدنيين، وجنود، ورجال شرطة. والهدف مكشوف هو بسط النفوذ عبر وكلاء مثل حماس، وخلق حاضنة شعبية مرتبطة بهم، يسهل التأثير عليها، واستغلالها سياسياً، بل وعسكرياً ، كجدار حماية في مواجهة الدولة المصرية، شعباً وجيشاً وشرطة .
كلمة أخيرة :
إن كل من يدعو إلى فتح الحدود في هذا التوقيت، أو يهاجم دولته من هذا المنطلق، إما جاهل لا يدرك أبعاد ما يقول، أو خائن يبيع وطنه بثمن بخس .
والنتيجة الحتمية : أن الوطن سيدفع الثمن باهظاً ، وأن القضية الفلسطينية ستُصفّى بأيدي فلسطينيين تم تهجيرهم قسراً ، وبمباركة من عملاء الداخل ، فلنتذكر جميعاً أن التمسك بأرض غزة هو المعركة الحقيقية، وأن كل تفريط فيها هو نصر خالص لإسرائيل ، وأن من يسعى لإفراغ القطاع، إنما يقضي على فلسطين، لا على الاحتلال .
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية