تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
ماذا نفعل مع إسرائيل؟
أخيرا توقفت المقتلة فى غزة. هذا خبر رائع رغم أن الوضع هناك مازال هشا. لتعزيز واستدامة إيقاف النار فى غزة أولوية قصوى، لكن علينا أيضا التفكير فيما يأتى بعد ذلك. مازالت الأسئلة المتعلقة بسلاح حماس ومستقبلها وطبيعة سلطة اليوم التالى فى قطاع غزة مطروحة، وكلها أسئلة شديدة الصعوبة. لكن هذه ليست كل أسئلة فلسطين، فأسئلة الحل النهائى والدولة الفلسطينية مازالت قائمة، والفلسطينيون والعرب مطالبون بالتفكير والتخطيط لها فى خضم الانشغال باستعادة الهدوء فى غزة.
توقف القتال ودخلت المساعدات، وتدريجيا تتراجع مشاهد القتل والجوع والنزوح القادمة من غزة. مشاهد المأساة الإنسانية الفلسطينية تمثل أهم سلاح ضاغط على إسرائيل فى ظل اختلال ميزان القوة الراهن، ولولا هذه المشاهد ما كان التغير الكبير فى اتجاهات الرأى العام العالمى تجاه فلسطين وإسرائيل ليحدث. يتراجع تدفق مشاهد المأساة الغزاوية، ويقل الضغط على إسرائيل صاحبة الخبرة والموارد فى التلاعب بالرأى العام. يجب لمأساة غزة ألا تتكرر بأى حال، ويجب لحملة الضغط على إسرائيل ألا تتوقف أيضا. هذا هو التحدى والمهمة النضالية والإنسانية الأكثر أهمية فى هذه اللحظة. المطلوب هو أدق توثيق لتفاصيل مقتلة غزة، وأوسع ترويج للسردية الفلسطينية. نجاح هذا الجهد يمثل مصلحة عربية مشتركة، لا مجال فيها للتنافس والمكايدة بين الدول العربية، فماذا لو جرى تمكين الجامعة العربية لقيادة هذه المهمة، وللتنسيق بين الجهود الأهلية والوطنية المختلفة لفضح الوحشية والعنصرية الإسرائيلية.
كشفت الحرب عن اختلال كبير فى موازين القوة الإقليمية، وعن مشروعات إسرائيلية طموحة لوضع الشرق الأوسط تحت هيمنتها. قطعت إسرائيل شوطا كبيرا لتحقيق هذا الهدف، وستواصل العمل لتعزيز قبضتها على المنطقة. سد فجوة القوة واستعادة التوازن هو الرد على التغول الإسرائيلي. إسرائيل متفوقة عسكريا وتكنولوجيا وعلميا واقتصاديا، ولا مفر من سد فجوة القوة معها فى كل هذه المجالات. هذا فرض عين على كل دولة منفردة، ومسئولية مشتركة لكل دول الشرق الأوسط المهددة بالهيمنة الإسرائيلية.
السنوات الثلاث المقبلة شديدة الخطورة، وعلينا الانتباه. فإدارة الرئيس ترامب سريع التقلب تساند إسرائيل بأكثر مما ساندتها الإدارات الأمريكية السابقة. اختلاف وجهات النظر الراهن بين إسرائيل والولايات المتحدة هو على الأرجح خلاف عابر سيتم تجاوزه، لتواصل إسرائيل العمل على الاستفادة من فرصة وجود إدارة صديقة فى البيت الأبيض لتحقيق أقصى ما يمكنها تحقيقه. الدعم الأمريكى غير المحدود يتيح لإسرائيل تحمل انتقادات المجتمع الدولى دون تنازلات، فيما قد يحاول اليمين الإسرائيلى تحقيق أهدافة المتطرفة بسرعة قبل أن تنغلق نافذة الرأى العام العالمى تماما. السلام ممكن فى الشرق الأوسط لو جرى تمكين الفلسطينيين من حقهم الوطنى فى دولة، وإيقاف حروب إسرائيل للهيمنة على المنطقة. القضاء على إسرائيل ليس هدفا للفلسطينيين أو العرب. الهدف هو إعادة إسرائيل إلى حجمها الطبيعى جغرافيا بمنع التوسع الإسرائيلى فى فلسطين وبلاد الجوار؛ وسكانيا بمنع إسرائيل من تهجير الفلسطينيين خارج بلادهم؛ واستراتيجيا عبر موازنة القوة الإسرائيلية بقوة عربية تحد من الهيمنة الإٍسرائيلية؛ وسياسيا بتكوين تحالفات سياسية مساندة واسعة النطاق عبر العالم. قبل صعود اليمين الإسرائيلى الممتد كانت إسرائيل تتفاوض من أجل الحلول الوسط. لديها مطالب أمنية مبالغ فيها، لكنها تعترف بالوجود الفلسطينى وحل القضية الفلسطينية عبر إنشاء كيان فلسطينى مستقل. المطلوب هو استعادة إسرائيل هذه عبر إلحاق الهزيمة باليمين الإسرائيلى المتطرف. مشكلتنا مع إسرائيل هى مع التطرف اليمينى، وليس مع إسرائيل ذاتها. لم تعد مشكلتنا مع وجود إسرائيل منذ قبلنا قرار مجلس الأمن رقم 242 عام 1967، والذى ينص على حق كل دول المنطقة فى العيش ضمن حدود آمنة. مشكلتنا ليست مع إسرائيل، لكن مع التيارات اليمينية المتطرفة الرافضة لمبدأ الحل الوسط التاريخي. هذا هو الأساس الذى يقوم عليه حل الدولتين، وخطة السلام العربية ومعاهدات السلام المصرية والأردنية مع إسرائيل، واتفاق أوسلو أيضا. لم ينجح اتفاق أوسلو لكن تبقى قيمته فى الاعتراف المتبادل. قارن هذا بحكومة اليمين الإسرائيلى التى تريد التخلص من الفلسطينيين عبر التهجير.
إسرائيل الدولة التى تتقاسم فلسطين التاريخية مع الفلسطينيين، والتى تقبل العيش على قدم المساواة مع الجيران، إسرائيل هذه مقبولة، لا بأس فى التعاون معها. إسرائيل اليمينية المتطرفة غير مقبولة ولا يمكن التعايش معها. الإسرائيليون ليسوا كلهم سواء، فكل من يقبل مبدأ الانفصال عن الفلسطينيين، واقتسام الأرض معهم هو شريك محتمل، وكل من يرغب فى الفوز بكل شىء والهيمنة على الإقليم هو خصم مؤكد. من مصلحتنا أن يحقق أنصار الانفصال والاقتسام انتصارات على حساب المتطرفين فى إسرائيل، ولو بإمكاننا فعل شيئ يساعد الأولين ويضعف الأخيرين فليس لنا أن نتردد. الضغط على إسرائيل المتطرفة، وتشجيع إسرائيل المعتدلة. عنوان عريض لاستراتيجية عربية تجاه إسرائيل. المطلوب هو استراتيجية واقعية تنفذها عقول يقظة باردة، وليس تفكيرا ثوريا، يندفع لتحقيق أقصى الطموحات، فهدم ما هو قائم، ليبنى على أنقاضه عالم سعيد ملىء بالعدل. العالم السعيد الملىء بالعدل لا يأتى. هناك إمكانية لتحسين العالم القائم تدريجيا، أما الانتصار النهائى الساحق للخير على الشر فيحدث فقط فى قصص الأطفال والأساطير القديمة.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية