تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

أخطر دولة فى العالم

لفترة طويلة كان وقوع أسلحة الدمار الشامل فى يد جماعة إرهابية هو السيناريو الكابوس الذى يسعى العالم لتجنبه بأى ثمن. لقد تبين أننا كنا مخطئين، وأن الخطر الأكبر الذى يهدد البشرية هو وقوع أكبر دولة فى العالم فى يد قيادة تؤمن بأيديولوجيا يمينية متطرفة. حدث هذا بالفعل عندما وقعت الولايات المتحدة تحت سيطرة فريق يقوده الرئيس ترامب. لو وقع سلاح نووى أو كيماوى شديد الخطورة فى يد جماعة إرهابية فسوف تختار دولة أو أثنتين لتبتزهما بهذا السلاح، وقد يصل الجنون إلى ذروته فيقوم الإرهابيون بتفجير ما فى حوزتهم من أسلحة الدمار فى مدينة أو اثنتين. ما يحدث الآن أمام أعيننا هو أن الولايات المتحدة بقيادة الرئيس ترامب تقوم بتفجير النظام الدولى كله، ودليلنا على ذلك الخطاب الذى ألقاه الرئيس ترامب أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل يومين.

سخر الرئيس ترامب من الأمم المتحدة واستهزأ بها. السخرية من الأمم المتحدة هى أمر شائع فى الدول النامية منذ عقود. انضم الرئيس ترامب فى خطابه لقائمة الساخرين من المنظمة الدولية. سخر الرئيس ترامب من المصعد الذى تعطل به فى طريق الصعود لإلقاء خطابه، ومن جهاز العرض الضوئى المعطل، ومن بيانات الأمم المتحدة الفارغة، وصولا للتساؤل باستنكار عن سبب وجود الأمم المتحدة نفسها. عندما ينتقد الأمم المتحدة مواطن أو مسئول من بلاد الجنوب فإنه فى الحقيقة ينتقد الكبار المتحكمين فى العالم، والمتسببين فى تعويق عمل المنظمة الدولية، متمنيا لو أن الكبار يستخدمون نفوذهم لإصلاح الاعوجاج فى أداء المنظمة الدولية. لكن عندما يقوم رئيس أكبر دولة فى العالم بتوجيه انتقادات قاسية للأمم المتحدة، فإنه بالتأكيد لا يقصد إصلاحها، بل هدمها بشكل كامل.

يتسق هذا مع قيام الولايات المتحدة بتقليص التمويل الذى اعتادت تقديمه للأمم المتحدة، وانسحابها من عدد من المنظمات التابعة لها، بما فيها منظمتا الصحة العالمية واليونسكو، ومنظمات واتفاقات أخرى متعددة الأطراف، مثل بروتوكول باريس لمكافحة التغير المناخى. لو أضفنا إلى ذلك الضغوط التى تمارسها واشنطن على حلفائها فى منظمة مثل حلف الناتو، يتبين أن واشنطن لم تعد تطيق فكرة العمل فى منظمات متعددة الأطراف، وأنها لا تفضل العمل من خلال منظمات دولية تتيح لأعضائها وزنا متناسبا فى اتخاذ القرارات، إنما من خلال علاقات وهياكل تتيح لواشنطن الانفراد باتخاذ القرار.

انتقد الرئيس الأمريكى عجز الأمم المتحدة عن حل مشكلة انتشار الأسلحة النووية، وعرض مفاخرا تجربة أمريكا فى معالجة هذه المشكلة، فتحدث عن الضربة الأمريكية التى دمرت البرنامج النووى الإيرانى. كنا نظن أن هذا النوع من المشكلات تتم معالجته بالتفاوض، فتبين أننا على خطأ، وما علينا الآن سوى أن نحصى عدد الضربات اللازمة لاستكمال التخلص من الأسلحة النووية، والبحث عن الظروف التى ستقوم فيها قوة نووية مستهدفة بالرد بالمثل على ضربات الرئيس ترامب العلاجية. الصورة مخيفة فعلا. فلو نجا كوكبنا من حرب نووية مدمرة، فإنه لن ينجو من التغير المناخى الذى يعتبره الرئيس ترامب خدعة ليبرالية يجب التخلى عنها فورا، وقد قطعت الولايات المتحدة شوطا كبيرا فى هذا الاتجاه بالفعل.

لو أن كائنا فضائيا وصل إلى كوكبنا فى اللحظة التى كان فيها الرئيس ترامب يلقى خطابه، وتصادف له الجلوس أمام شاشة تلفاز تبث خطاب رئيس أكبر دولة فى العالم، ستكون سعادة الكائن الضيف بالغة، فهذه فرصة رائعة ليتعلم عن كوكبنا من أكبر رأس فيه. لن يعرف الكائن الفضائى من متابعة خطاب الرئيس الأمريكى أن أغلب الناس فى كوكبنا يعيشون فى بلاد نامية، وأن مشكلة الفقر هى أكبر المشكلات التى تواجه الكوكب، وأن البلاد الفقيرة تحاول محاربة الفقر عبر تحقيق شيء اسمه تنمية، وأن ممثلى هذه البلاد كانوا جالسين فى نفس القاعة التى ألقى الرئيس الأمريكى خطابه فيها، وإن كان الأخير لم يلحظ وجودهم، ولم يذكرهم، هم أو قضاياهم، ولا بكلمة واحدة. سيفهم الفضائى أن هناك مهاجرين مجرمين ومختلين يحاولون التسلل للدخول إلى أمريكا وبلاد أخرى، لكنه لن يعرف أبدا من أين يأتى هؤلاء. ربما استنتج أنها عصابات من الرحل الجوالين تجوب صحراء محيطة بأمريكا لاقتناص فرصة تسلل إجرامى. لن يعرف الفضائى أن الفقر السائد فى بلاد كثيرة هو عامل الطرد الرئيس الذى يدفع ملايين البشر الباحثين عن فرصة حياة.

كنا حتى وقت قريب نتساءل عما إذا كان من الممكن للصين أن تواصل صعودها نحو قمة النظام الدولى دون نشوب حرب بينها وبين الولايات المتحدة، فالخبرة التاريخية تبين أن القوة الآفلة، فى أغلب الأحيان، لا تسلم بتراجعها إلا بعد أن تخسر حربا تخوضها ضد القوة الصاعدة. لم تنشب الحرب بين الولايات المتحدة والصين. هذا بالتأكيد خبر جيد. لكن ما يحدث أمامنا الآن هو أن الولايات المتحدة بدلا من أن تجهد نفسها فى الدفاع عن النظام الدولى الذى صنعته، فإنها اختارت هدم هذا النظام الدولى نفسه، بحيث لا تجد الصين نظاما دوليا تتسلم قيادته، ويكون عليها بناء النظام الدولى الخاص بها من جديد على أنقاض النظام الدولى الذى بنته الولايات المتحدة قبل ثمانين عاما، والذى تتولى هدمه الآن.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية