تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > جلال عارف > طريق ترامب.. والفوضى الخلاقة

طريق ترامب.. والفوضى الخلاقة

كل المؤشرات تقول إن العالم مقبل على سنوات صعبة وتحولات هائلة على الجميع أن يستعد لها. لسنوات طويلة كان واضحا أن النظام العالمى لم يعد فاعلا وأن الأزمات الدولية تتراكم، وأن المؤسسات الدولية يزداد عجزها. وأن النظم التى تم وضعها لكى تضمن التفوق الاقتصادى للدول القوية بقيادة أمريكا قد انتهت إلى انقلاب موازين القوى لصالح القوى الصاعدة لتصبح الصين هى المنافس الحقيقى على قيادة اقتصاد العالم، ولتغرق دول الغرب فى أزمات اقتصادية كبيرة، وليصبح البحث عن نظام عالمى جديد يعكس موازين القوى الحقيقية ويضمن ألا ينزلق العالم لصراعات ضارية أمرا لا مجال للتهرب منه طويلا!
ما الجديد الآن؟!

الجديد يأتى الآن من أمريكا. اكتساح الرئيس ترامب والجمهوريين للانتخابات الأخيرة والسيطرة الكاملة على القرار الأمريكى من خلال الاستحواذ على السلطتين التنفيذية والتشريعية لم يكن حدثا عاديا بل كان إعلانا بأن ترامب هو تعبير عن تيار حقيقى يريد أن يأخذ أمريكا والعالم إلى طريق آخر. تيار يرى أن النظام العالمى الذى أقامته بعد الحرب العالمية الثانية ليعكس تفوقها ويضمن قيادتها للعالم لم يعد فاعلا، ولا يريد أن ينتظر نظاما عالميا جديدا مازال يتعثر لكنه- فى النهاية- سيعكس موازين قوى مختلفة ستتحول فيها أمريكا من قائد منفرد إلى شريك!

جوهر التوجه الأمريكى الجديد أن أمريكا- رغم المشاكل التى تواجهها- مازالت هى الأقوى عسكريا واقتصاديا وسياسيا لكن ذلك لن يستمر طويلا إلا بأن تأخذ أمريكا الأمور بيدها وتضع مصالحها فقط بوصلة لتحركها، وتضرب بنفسها النظام الدولى الذى كان يضمن تفوقها ولم يعد كذلك لتضع أسس النظام الجديد الذى يلائمها دون حساب إلا لما يضمن التفوق الأمريكى لقرن من الزمان أو لقرون أخرى كما قال الملياردير «ماسك» أقرب حلفاء ترامب فى احتفالات التنصيب!

من هنا ينبغى النظر بجدية إلى الرسائل الخطيرة التى أكد عليها الرئيس الأمريكى فى خطاب التنصيب وفى القرارات السريعة التى أصدرها: سلام القوة هو القاعدة لكنه يعنى أن يخضع الجميع لقوتك. المؤسسات الدولية التى كانت سلاحا لتعزيز النفوذ الأمريكى وتمرير السياسات الغربية لم يعد لها لزوم «بدءا من الصحة العالمية إلى الأمم المتحدة ومرورا بالعدل الدولية والجنائية الدولية وغيرها» والقانون الدولى نفسه لا ينبغى أن يكون عقبة أمام الرئيس الأمريكى وهو يعلن الرغبة فى ضم كندا واحتلال جرينادا والسيطرة على قناة بنما!!.. أما حرية التجارة ففى ذمة الله والرسوم الجمركية ستفرض حتى على أقرب الحلفاء، إنها الحرب فى كل المجالات وإن كان «سلام القوة» هو الشعار!

الترجمة الحقيقية لهذه الاتجاهات هى أن أمريكا تريد التخلص من أى التزام كان يقيدها به النظام الدولى الذى أقامته بنفسها. تريد التحرك كما تريد لتحقيق ما تراه مصلحة وطنية لها، وتريد من الجميع ألا يعترضوا طريقها!! تفتح الباب لحالة من الفوضى الخلاقة -إذا صح التعبير- وتراه صالحا لتحقيق مصالحها فى العالم، كما رأته سابقا صالحا لتحقيق مصالحها فى منطقتنا فى إحدى رهاناتها البائسة والفاشلة والتى لا يبدو أنها تملك القدرة على التعلم منها!

سيكون الأمر خطيرا إذا دخل العالم إلى هذه الحالة من الفوضى أو اقترب منها. الرهان على أن الآخرين سيخضعون لما تمليه عليهم اقتصاديا وسياسيا وعسكريا رهان خطير. محاولة إدخال الجميع فى أزمات بمن فيهم أقرب الحلفاء ستكون- فى النهاية- خصما من القوة الأمريكية وليست إضافة. التلويح بمنطق القوة والاحتلال ضد دول الجوار هو أيضا خصم من القوة الأمريكية وليس إضافة لها. الانسحاب من الالتزامات الدولية وتجاهل القوانين والشرعية الدولية ستدفع أمريكا ثمنه قبل الآخرين. التهديد بالحروب التجارية خطر على الدولة، الأكثر مديونية فى العالم قبل أن يكون خطرا على الآخرين.

ويبقى التذكير بأن الدولة الأقوى فى العالم لم تنتصر فى حرب عسكرية دخلتها بعد الحرب العالمية الثانية وحتى الآن. وأنها لن تستطيع أن تحارب العالم كله بزعم أن ذلك هو ما يحقق عظمة أمريكا. هذا غير حقيقى وغير منطقى. قيادة أمريكا للعالم كانت مرتبطة بالانحياز لمبادئ لا ينبغى خيانتها تحت أى ظرف. ما يتم إعلانه اليوم خطير. الفوضى لا تحقق شيئا إلا الخراب، وغطرسة القوة مصيرها محتوم. يبدو أن العالم كله سيجرب ما جربته منطقتنا منذ سنوات.. والنتيجة معروفة مسبقا، لكن علينا- وعلى العالم- أن يستعد جيدا لسنوات لن تكون سهلة حتى على أمريكا نفسها!
 

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية