تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
زلزال نيويورك.. وتوابعه
لم يحدث أن كان انتخاب «حضرة العمدة» فى أى مدينة أو قرية فى العالم محط اهتمام الدنيا كلها كما حدث فى انتخابات مدينة نيويورك الأخيرة التى جاءت بزهران ممدانى عمدة للمدينة التى لا تعتبر فقط عاصمة أمريكا المالية والاقتصادية والثقافية، وإنما أيضا هى المدينة التى تحتضن مقر الأمم المتحدة حيث يبحث العالم عن الشرعية الدولية التى تبنى الوفاق وتصون السلام.
بالتأكيد كان اهتمام العالم أمرا طبيعيا، وبالتأكيد سيستمر الاهتمام بمتابعة آثار «الزلزال السياسي» الذى كانت انتخابات نيويورك ساحته الأهم. هذه الآثار التى تقول كل الشواهد إنها ستغير حتما كل قواعد اللعبة السياسية الداخلية فى أقوى دولة فى العالم، والتى تقول كل التجارب السابقة إن العالم كله لن يكون بعيدا عن نتائجها.
فى خطاب التنصيب بعد الفوز الكبير قال زهران ممدانى إنه هوجم بقسوة لكل الأسباب التى يفخر بها وهى أنه «شاب» و«مسلم» و«اشتراكى ديمقراطي» و«مهاجر»، فى دولة بناها المهاجرون.
قبل أعوام قليلة كانت كل صفة من هذه الصفات كفيلة بإغلاق الطريق إلى أى موقع قيادى فى السياسة الأمريكية، فى هذه الانتخابات سقطت كل هذه الحواجز. اللافت أن يحدث ذلك فى مدينة عنوانها الثراء والتقدم ويحكمها المال السياسي، وفى وقت تصل فيه سطوة اليمين فى الولايات المتحدة إلى أقصاها.
فى تقديرى أن المشكلة الحقيقية أن يكون ما حدث فى انتخابات نيويورك مفاجئا للكثيرين داخل أمريكا أو خارجها. هؤلاء لم يدركوا جيدا حجم الرغبة فى التغيير لدى أجيال جديدة فقدت الثقة فى النخبة السياسية التى تكلست فى مواقعها.
ولم يقرأوا جيدا حجم الاحتجاجات الاجتماعية أو الغضب الذى اجتاح الجامعات انتصارا لفلسطين أو الاعتراضات الواسعة على سلطة المال فى الحكم والتى أنهت تجربة «ماسك» وإن أبقت نفوذه والآخرين.. يندهشون الآن عندما يكتشفون أن معركة نيويورك أظهرت أن أغنى مدن العالم ربع سكانها يقعون تحت خط الفقر،
وأن كل شبابها يريدون التغيير وأن غالبية سكانها يعطون أصواتهم لمن يفتح أمامهم أبوابا حقيقية لحياة أفضل.
لماذا يصفون فى أمريكا ما حدث بأنه زلزال سياسي؟!
لأنه - أولا- ارتبط مع فوز مهم للمرشحتين الديمقراطيتين فى ولايتى فرجينيا ونيوجيرسى فى إنذار واضح لليمين الجمهوري، ولأنه - ثانيا- يعلن عن جيل جديد يتقدم لتحمل المسئولية بعيدا عن سطوة المال ونفوذ اللوبى الصهيونى ولأنه - ثالثا- يقول إن قواعد اللعبة الحزبية قد تغيرت، وأن اليمين الأمرىكى سيواجه يسارا حقيقيا لم يعد ممكنا مصادرته بحجة اتهامه بالشيوعية أو باستخدام الممارسات المكارثية ضده،
وأن اللوبى الصهيونى عليه أن يتقبل حقيقة ما حذرهم منه الرئيس ترامب نفسه حين قال إن السياسيين أصبحوا يهربون من الارتباط بهم خشية السقوط.
لن يكون أمام الحزب الديمقراطى إلا أن يصحح أخطاءه حين ابتعد عن قواعده ولم يستمع لقوى اليسار فيه ولم ينتبه لأصوات الشباب ولا لضرورة التغيير. ولن يكون أمام المجتمع الأمريكى كله إلا المراجعة الشاملة لكل السياسات التى كان من الممكن أن تقسم المجتمع لولا حيوية مازالت فاعلة للديمقراطية الأمريكية. وسيكون على قوى اليمين فى العالم أن تدرك أن الرهان على أن العالم قد وقع فى قبضة اليمين المتطرف وانتهى الأمر هو رهان خاطئ وخادع.
وأن من كانوا ينتظرون سقوط باريس ولندن وعواصم أوروبا والعالم فى قبضة اليمين المتطرف عليهم أن يقرأوا جيدا أن «نيويورك» نفسها يحكمها «عمدة» اشتراكي، لا يعرف التعصب، ولا يعادى المهاجرين لأنه منهم، ولا يريد استعادة النازية بل تجديد الديمقراطية التى جاءت به إلى قلب المشهد السياسى فى أمريكا.
ما حدث فى نيويورك كان زلزلا سياسيا وبلا شك فإن توابع الزلزال قد تكون أشد وأخطر.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية