من كان يصدق قبل عام واحد أن كبرى مدن أمريكا وأكثرها ثراء «نيويورك» سوف يحكمها شاب من المهاجرين، مسلم الديانة، اشتراكى يعلن بوضوح وحسم انحيازه للفقراء، ويتبنى موقفا مؤيدا لحق الشعب الفلسطينى فى تقرير مصيره وبناء دولته؟!.. بالأمس فعلها الفتى زهران ممدانى (٣٤ سنة) بعد معركة انتخابية سوف تقلب كل الموازين فى الصراع السياسى الداخلى فى أمريكا!!

فى أمريكا نفسها يصفون ما حدث بأنه زلزال سياسى يأتى بعد أن وصلت الحياة الحزبية إلى مرحلة جمود طال تجاهلها، وبعد أن أصبح واضحا عمق المسافة بين النخبة السياسية والرأى العام وخاصة مع الأجيال الشابة والطبقات الوسطى والفقيرة. عندما فاز زهران ممدانى فى الانتخابات التمهيدية داخل الحزب الديموقراطى قبل شهور ليكون مرشح الحزب فى انتخابات عمدة نيويورك كان ذلك إعلانا بأن الرغبة فى التغيير أقوى من كل القيود وأكبر من حسابات المصالح!!
 

ما حدث بعد ذلك كان برهانا على أن معركة التغيير لن تكون سهلة وخاصة فى مدينة مثل «نيويورك» بكل أهميتها السياسية والاقتصادية والثقافية واستطاع زهران ممدانى أن يكتسب ثقة الأغلبية ببرنامج واضح وطموح لتخفيف أعباء المعيشة وتحقيق قدر من العدالة وتحميل الأثرياء بعض العبء الضريبى. وكان عليه أن يواجه مليارديرات نيويورك والحرس السياسى القديم، وأن يواجه أيضا الهجوم المتواصل من الرئيس ترامب الذى يبدو أنه أدى لنتيجة عكسية ليكتسح زهران ممدانى الانتخابات بأصوات الأجيال الجديدة والأقليات والفقراء والطبقة الوسطى، وليكتب بداية جديدة للحياة الحزبية فى أمريكا!!

باقى نتائج الانتخابات التى أعلنت بالأمس هامة وكاشفة لتقدم الديموقراطيين، لكن «نيويورك» تظل الأهم فى معركة التغيير.

فى معركة زهران ممدانى لم تعد «الاشتراكية» جريمة فى عالم السياسة الأمريكية، ولم يعد العداء للإسلام أو كراهية فلسطين شرطا للنجاح فى الانتخابات، ولم يعد المال السياسى قادرا على فرض مرشحيه.. ماذا سيحدث بعد ذلك، وهل تستجيب أمريكا لرياح التغيير؟! علينا أن ننتظر الإجابة. وعلينا أيضا أن نستوعب أن فى نيويورك نحو مليون يهودى، وأن معظم أصوات اليهود هناك ذهبت إلى زهران ممدانى بعد أن أكد أنه سينفذ قرار الجنائية الدولية ويعتقل نتنياهو إذا جاء إلى نيويورك !!