تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
قناع بلون السماء
رواية «قناع بلون السماء»، للكاتب الفلسطيني الأسير في سجون الاحتلال «باسم خندقي» - الفائزة بجائزة البوكر العربية لهذا العام - تلخص وتكثف، في حكاية بطلها وأسرته ومخيمه، مأساة الشعب الفلسطيني. فنور مهدي الشهدي - بطل الرواية - يمثل اليُتم بأبعاد أكبر من مجرد موت أمه وهي تلده؛ فقد وُلد وأبوه - المقاوم في الانتفاضة الفلسطينية الأولى - مسجون لدى الأعداء بحكم مؤبد، وحين أخرجته اتفاقية أوسلو من سجنه بعد خمس سنوات، وجد انتفاضته قد صُفِّيت، وتجاهله رفاق الأمس الذين أغرتهم المناصب والهيلمان، فأصابه صمت مؤبد، وحين ينطق لا تخرج إلا همهمات، وانزوى في عربة حديدية صدئة، يصنع الشاي والقهوة لأهل مخيمه، وفى فمه سيجارة لا تنطفئ. فنشأ نور مهدى يعاني يُتماً مزدوجاً، لأن أباه في عِداد الموتى وإن كان حياً، وورث الصمت عن أبيه، وحاصره في مخيمه يُتم قوميّ، فوجد ضالته، والأمومة والأبوة المفقودة، في أرض بلاده. ولما كان سطح الأرض محتلاِ أو محاصراً، فقد توجه بعقله وقلبه للمطمور تحت الأرض من بقايا العصور المنصرمة، فالتحق بمعهد الآثار الإسلامية بجامعة القدس. ولما كان الخيال مهرباً آخر له من بؤس الواقع، فقد تآزرت رواية «شفرة دافنشي» لدان براون مع تخصصه الدراسيّ في خلق حلم أدبىّ يخصه: وهو كتابة رواية عن مريم المجدلية، التي تُتداول عنها أسرار وحكايات ترتبط بوثائق أثرية تضمها تربة فلسطين.
تدور أحداث الرواية حول هذا المحور، وتدفعها نحو التعقد مصادفة كانت بمثابة الفخ الذي رآه نور المهدي - وأرجو الانتباه لما يحمله الاسم من مفارقة ساخرة حزينة - رآه خلاصاً له، وحلاً سحرياً لكل مشاكله. فلأنه كان من عادته أن يداري حزنه وبؤسه بالأناقة، فقد قصد، في تل أبيب التي أتاها أجيراً بدون تصريح عمل، متجراً للملابس المستعملة، وهناك اهتدى إلى معطف جلدي فاخر فاشتراه، وبتفتيش جيبه الداخلي عثر على بطاقة هوية إسرائيلية زرقاء نسيها صاحب المعطف، وهو شخص يدعى أور شابيرا - و«أور» تعنى «نور» بالعبرية - تبيَّن أنه مواطن من اليهود الأشكيناز ذوي الأصل الأوروبي، ويكبر نور بخمسة أعوام. وكانت ملامح نور - ولا ندري إن كان ذلك نعمة أم نقمة - تتماشى مع ذلك الجنس الممتاز من البشر: فقد وُلد مثل أمه أشقر بعيون زرقاء. من هنا جاء الفخ وانطبق على روحه، فقد كان من السهل عليه أن يمشى في شوارع تل أبيب فتحميه ملامحه من أن تقبض عليه الشرطة بتهمة أنه متسلل هبط المدينة دون تصريح عمل. وقد استغل هذا في أكثر من موقف حرج. وجاءت بطاقة الهوية الإسرائيلية الأشكينازية، بعد تبديل صورة صاحبها بصورته، ليعض الفخ روحه بإحكام أقسي، خاصة بعد أن قرأ إعلاناً عن موسم تنقيب آثار يقيمه معهد أولبرايت الأمريكي بالتنسيق مع سلطة الآثار الصهيونية، فداعبه عشقه للطبقات العميقة من أرض بلاده، مدعوماً بخبرته العملية في مجال الآثار، وعمله لسنوات كدليل سياحيّ في القدس وما جاورها. ومستغلاً إجادته للغتين العبرية والإنجليزية، قرر أن يتقدم تحت اسم أور شابيرا للمشاركة في ذلك النشاط الأثري، المنقب عن بقايا مقر الفيلق السادس للجيش الروماني الذي كان يعسكر منذ ألفي سنة جنوب تل مجدو، عند مستوطنة (مشمار هعيمق) الحالية، التي قامت على أطلال قرية فلسطينية هُجرت بعد مجزرة، وبالقرب من مستوطنة (مجدو)، حيث كانت قرية (اللجون) العربية التي محتها النكبة، وحيث تحوم أشواق نور مهدى الأدبية، بعد أن هدته قراءاته، التي أذكاها خياله، إلى أن هذا المكان يحوي آثار مريم المجدلية. ولهذا ارتدى نور قناع أور، قائلاً لنفسه سأكون واحداً منهم لبعض الوقت، وإن كرهت نفسي ذلك، لأصل إلى البئر الذي يحوي أثر المجدلية.. ونستكمل الحديث في المقالة القادمة بإذن الله.
تدور أحداث الرواية حول هذا المحور، وتدفعها نحو التعقد مصادفة كانت بمثابة الفخ الذي رآه نور المهدي - وأرجو الانتباه لما يحمله الاسم من مفارقة ساخرة حزينة - رآه خلاصاً له، وحلاً سحرياً لكل مشاكله. فلأنه كان من عادته أن يداري حزنه وبؤسه بالأناقة، فقد قصد، في تل أبيب التي أتاها أجيراً بدون تصريح عمل، متجراً للملابس المستعملة، وهناك اهتدى إلى معطف جلدي فاخر فاشتراه، وبتفتيش جيبه الداخلي عثر على بطاقة هوية إسرائيلية زرقاء نسيها صاحب المعطف، وهو شخص يدعى أور شابيرا - و«أور» تعنى «نور» بالعبرية - تبيَّن أنه مواطن من اليهود الأشكيناز ذوي الأصل الأوروبي، ويكبر نور بخمسة أعوام. وكانت ملامح نور - ولا ندري إن كان ذلك نعمة أم نقمة - تتماشى مع ذلك الجنس الممتاز من البشر: فقد وُلد مثل أمه أشقر بعيون زرقاء. من هنا جاء الفخ وانطبق على روحه، فقد كان من السهل عليه أن يمشى في شوارع تل أبيب فتحميه ملامحه من أن تقبض عليه الشرطة بتهمة أنه متسلل هبط المدينة دون تصريح عمل. وقد استغل هذا في أكثر من موقف حرج. وجاءت بطاقة الهوية الإسرائيلية الأشكينازية، بعد تبديل صورة صاحبها بصورته، ليعض الفخ روحه بإحكام أقسي، خاصة بعد أن قرأ إعلاناً عن موسم تنقيب آثار يقيمه معهد أولبرايت الأمريكي بالتنسيق مع سلطة الآثار الصهيونية، فداعبه عشقه للطبقات العميقة من أرض بلاده، مدعوماً بخبرته العملية في مجال الآثار، وعمله لسنوات كدليل سياحيّ في القدس وما جاورها. ومستغلاً إجادته للغتين العبرية والإنجليزية، قرر أن يتقدم تحت اسم أور شابيرا للمشاركة في ذلك النشاط الأثري، المنقب عن بقايا مقر الفيلق السادس للجيش الروماني الذي كان يعسكر منذ ألفي سنة جنوب تل مجدو، عند مستوطنة (مشمار هعيمق) الحالية، التي قامت على أطلال قرية فلسطينية هُجرت بعد مجزرة، وبالقرب من مستوطنة (مجدو)، حيث كانت قرية (اللجون) العربية التي محتها النكبة، وحيث تحوم أشواق نور مهدى الأدبية، بعد أن هدته قراءاته، التي أذكاها خياله، إلى أن هذا المكان يحوي آثار مريم المجدلية. ولهذا ارتدى نور قناع أور، قائلاً لنفسه سأكون واحداً منهم لبعض الوقت، وإن كرهت نفسي ذلك، لأصل إلى البئر الذي يحوي أثر المجدلية.. ونستكمل الحديث في المقالة القادمة بإذن الله.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية