تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
مدرسة السنية وعيد المرأة
بهدوء تمر هذه الأيام ذكرى مرور ١٥٠ سنة على تأسيس مدرسة السنية، والبدء الفعلى للدراسة بها كأول مدرسة ابتدائية حكومية شاملة للبنات حيث كانت المدارس الموجودة قبلها هى مدارس الإرساليات فقط.
المدرسة افتتحت رسميا عام ١٨٧٣ والعدد بها كان خمس طالبات فقط ، ولذلك لم يشعر بها احد ، ولكن فى العام الدراسى التالى أى عام ١٨٧٤ زادت الجهود والدعاية والحوافز لجذب الأسر المصرية لإرسال بناتهن للمدرسة ونجحت الحملة بالفعل، فوصل العدد إلى ٢٨٦ تلميذة فى ذلك العام ، وهو ما اعتبره البعض البداية الحقيقية لعمل المدرسة العريقة التى بدأت بمنطقة السيوفية ثم انتقلت لمكانها الحالى بالسيدة زينب نظرا لجهود والدة الخديو إسماعيل وبدعم من رفاعة الطهطاوى تحديدا بعد صدور كتابه المرشد الأمين لتربية البنات والبنين والداعى لتعليم المرأة وإنشاء مدارس حكومية مجانية لها.
فمدرسة السنية ينبغى الاحتفاء بها، وعلى مستوى الجمهورية وعلى مدار العام بالمدارس والجامعات الحكومية والخاصة، وألا تمر المناسبة بالهدوء المعتاد فهى لم تكن اداة لتعليم البنات فقط، وانما كانت بوابة لنهضة شاملة فى المجتمع وفى التنوير والتأهيل للمرأة فكانت معهدا ايضا لإعداد المعلمات ومنها خرجت ملك حفنى ناصف وغيرها ومن خلالها استطاعت نبوية موسى ان تمنح الطالبات المصريات حق دخول امتحان الثانوية العامة أسوة بالطلاب بعد ان رفض الانجليز ذلك ولكن سعد زغلول هو من منحها هذا الحق لها ولطالبات مصر عندما كان وزيرا للتعليم فتفوقت فى الدرجات حتى على العقاد نفسه وتم افتتاح القسم الثانوى بالمدرسة وعقد امتحانات البكالوريا للطالبات اسوة بالطلاب.
كان لمدرسة السنية دور وطنى عظيم فى ثورة ١٩١٩ حيث خرجت منها اول مظاهرة نسائية، وكانت المركز لبداية وتجمع المظاهرات النسائية وفى بعضها قادته هدى شعراوى خريجة مدرسة السنية والتى تحتفل اليونيسكو بمرور ٧٥سنة على وفاتها، ولم يستطع الاحتلال الوقوف امام هذا الحراك الوطنى والزخم التعليمى للنساء،والذى تشهد جدران المبنى الأثرى بالسيدة زينب صوراً لتلك الاحداث التاريخية الذى كان من احد نتائجه استشهاد حميدة خليل يوم ١٦ مارس اثناء التظاهرة السلمية للمرأة برصاص الاحتلال، وهو التاريخ الذى نحتفل به عيدا للمرأة المصرية تكريما لمسيرة كانت مدرسة السنية جزءا فاعلا وأساسيا به. ورغم تعلم مئات المصريات بالمدرسة وتخرج اول دفعة منهن فى الجامعة المصرية فى اوائل الثلاثينيات من القرن الماضى فإن المصريات لم تجلسن بمقعد المديرة للمدرسة إلا فى نهاية عقد الثلاثينيات ، فكانت فى مقدمتهن كريمة السعيد خريجة المدرسة وثانى امرأة تتولى منصب المديرة للمدرسة، وهى شقيقة أمينة السعيد.
هذا التراث الذى كرسته مدرسة السنية وجعلت من الجامعة المصرية بابا مفتوحا امام المرأة ولأول مرة بالمنطقة كلها يحتاج منا إلى تسليط الضوء عليه باستمرار، لأن المفارقة انه وبعد مايقرب من ١١٥عاما على إنشاء الجامعة المصرية (جامعة القاهرة الآن) لم تصل المرأة إلى رئاسة الجامعة الأولى بالمنطقة ،بل لم يتم تعيين أول عميدة للآداب كلية التأسيس الجامعة إلا منذ عامين فقط وبعض كلياتها مازالت المرأة بعيدة عن منصب العمادة منذ تاريخ التأسيس ، ولذلك ليس غريبا ألا تتقدم إلا مرشحة واحدة فقط من اجمالى ١٤ اسما مرشحا على منصب رئيس الجامعة ،وكذلك الوضع فى أغلب المؤسسات الجامعية الاخرى فنجد سيدة او اثنتين ذرا للرماد فى العيون وهو ما يجعلنا نطالب باقتراح آليات للتشجيع والدعم للمرأة لكى تتقدم بنفسها لهذه المناصب العليا خاصة أنهن الأغلبية فنسبة عضوات هيئات التدريس بالجامعات المصرية وصلت إلى 55% ونسبتهن بالدراسات العليا 59% كما صرح وزير التعليم العالى مؤخرا.
ورغم هذه النسبة المرتفعة من عدد النساء العاملات بالتعليم فإنه لم ينعكس على مناصب وزارتى التعليم او أى من مناصبها العليا، ورغم وجود أسماء لامعة بتاريخه، والتى جسد أيضا دورها الفن بإبداع وعبقرية من أسامة أنور عكاشة كما فى ضمير أبلة حكمت المديرة القديرة التى يقال انه استلهم شخصية المديرة كريمة السعيد، وجسدته العظيمة فاتن حمامة، مما يجعل مناسبة مرور ١٥٠ سنة على مدرسة السنية وعيد المرأة مناسبة وطنية يجب الاحتفاء بها فى كل مدارس مصر وتدخل مناهجنا من المرحلة الابتدائية، ويكون هناك فيلم وثائقى يذاع باستمرارية على القنوات التعليمية، وان تضع صور اشهر خريجيها على أسوار المدرسة من الداخل والخارج ايضا فتتعرف البيئة المحيطة على تراث عظيم لجهود المرأة فى التعليم ، فنفعل علاقات مؤسسات التعليم بالمجتمع حولها ولا نكتفى بوحدات لمواجهة التحرش بالجامعات، لانه رغم وجودها تزداد مؤخرا قضايا التنمر ضد المرأة بالجامعات والمجتمع المدرسى ، والتى أدت لتكرار حالات القتل أو الانتحار مؤخراً ، ولتنذر بضرورة التفكير فى آليات جديدة وعقد الدراسات العلمية لمواجهة التنمر والتقليل من دور وانسانية المرأة فى تنمية المجتمع.
فعيد المرأة المصرية الذى بدأ بالتعليم ومدرسة السنية وتاريخ من العطاء والوطنية كان مسيرته طويلة وشاقة، وما نراه الآن معتادا من تساو بل وتفوق نسب واعداد الطالبات بالجامعة يجب ان تروى باستمرار وإلحاح على العقل الجمعى للمجتمع فيعتاد حقها فى الوجود والاستقلالية بالقرار والجسد وليس العدوان عليه، فالوجود الانسانى للمرأة لايعنى التقليل أو هدم الأدوار للطرف الآخر ودوره، فكلاهما خلقهما الله للتكامل وليس الصراع.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية