تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
الذكاء الاصطباحى
على مدى الأيام الماضية اشتعلت أجواء العنف فى فرنسا والسويد ويحمل مضمونها رفض قبول الآخر، وقد انعكست مظاهر الكراهية بصور مختلفة تنوعت فى حرق القرآن الكتاب المقدس للمسلمين بالسويد او فى قتل الشاب من أصول جزائريًة بفرنسا. قبل أحداث العنف بأسابيع قليلة فقط طالعتنا الأخبار بخطوات تصحيحية تعليمية وأيضا من السويد وفرنسا تحديدا فهل هناك ثمة علاقة أو ارتباط ضمنى بين الحدثين؟.
البداية كانت من السويد وظهرت قرارات تخص التعليم التكنولوجى، وأنهم اكتشفوا وجود أزمة وأخطاء تعليمية لديهم ليس من دخول الذكاء الاصطناعى او التكنولوجيا فى مسار التعليم العالى، ولكن الخطأ دخوله بالمراحل المبكرة لسنوات التأهيل والتعلم وهو مايمكن ان نطلق عليه الذكاء الاصطباحى، وهو المصطلح الذى انتشر كدعابة مصرية مؤخرا تعليقا على خطأ فى اسم دورة تدريبية!
ولكن بتأمل الأحداث والوقائع وجدت مضمونه الاصطباحى مناسبا تماما للقرارات الخاصة بمنع استخدام الأجهزة اللوحية فى المراحل الأساسية من التعليم قبل الجامعى. وربما وجدت اقتباسه ضروريا فى الربط بين الحدثين أى بين تصاعد العنف وكراهية الآخر وبين انتشار والاعتماد على التعليم التكنولوجى منذ المراحل المبكرة.
فالتعليم التكنولوجى المبكر يؤدى الى ترسيخ التعليم الاحادى اى ليس به الآخر وما يمثله من الاحتكاك و خبرات التفاعل الانسانى.
فالتكنولوجيا توفر المناخ الانعزالى، وخطورة ذلك اذا ما وجدت تطبيقا وتعميما له فى المكون التعليمى المبكر او التربية التى هى اساس تنشئة المجتمعات كلها، ومؤخرا قرأت عن إحصاء أمريكى يظهر الضعف فى مستوى التحصيل بالرياضيات واللغات والكتابة بها بالمدارس بعد سنوات كورونا والتعليم اون لاين.
من هنا يمكن ان ندرك لماذا بادرت السويد بقرار العودة الى الكتاب الورقى بعد سنوات من الاعتماد على التابلت والأجهزة اللوحية كوسيلة للتعلم بالمدارس.
حذر الكثير من المفكرين بقولهم إن التكنولوجيا تساعد فى خلق العقل الاعتمادى خاصة اذا استعملت بقوة منذ مراحل مبكرة فأجهزة اللوائح التكنولوجية تلبى رغبتك فى القراءة ذات الاتجاه الواحد، وليس برحابة وتعددية وجود المكتبة الورقية والعناوين فحتى مجرد المرور على الارفف يعطى تنوعا فى أسماء المصادر حتى لو لم يتم اختيارها للقراءة بعكس محركات البحث التكنولوجية الشهيرة فهى تعطى عناوين لسياق محدد فقط وطبقا للعنوان الذى تريده.
أما فى فرنسا فقد انعقدت اكبر مسابقة لإملاء (شقيقة القراءة) بطول شارع الشانزليزيه، والذى يقرب من 2 كيلو متر ونظمها فرنسى من أصول شمال افريقيا ورحبت به السلطة والجمهور ايضا فوجدنا الكثير من الجنسيات عادت الى القلم والورقة ومقاعد التعلم حتى لو لساعات قليلة.
وكشف امتحان الإملاء العظيم وهذا اسمه عن مدى أهمية القلم والكتابة والقراءة، وأدرك المهاجرون والفرنسيون انفسهم مدى أهمية ذلك وإن الضعف فى مهارات الإملاء والكتابة معيب، فالكتابة ودائما قرينتها التوأم هى قضية جوهرية، لأنه إذا لم تكن تقرأ جيدا، وكثيرا فستفقد الأساس المعرفى الصحيح وربما تكتب الكلمات نفسها بشكل خطأ، فيؤدى الى معنى وسياق مختلف تماما.
أما عن واقعنا فأذكر انه فى عام ٢٠١٤ أعلن د. محمود أبوالنصر وزير التعليم وقتها دراسة أجرتها الوزارة وكانت نتيجتها ان مايقرب من ثلث التلاميذ بالابتدائى لا يجيدون القراءة والكتابة، وأتذكر أيضا نقلا عن د. زويل فى تاريخ متزامن للدراسة قوله إنه استمع الى نتائج دراسة عن مستوى طلاب التعليم الفنى وأن نصفهم تقريبا لا يقرأون أو يكتبون إلا بالحد الادنى.
ثم ظهر لنا مع تولى د. طارق شوقى الوزارة مشروع لتطوير التعليم عبر التابلت ولم يكن احد ضد تحديث وتطوير التعليم المصرى أو دخول التكنولوجيا اليه فقد كانت هناك بالفعل مشروعات مطبقة منذ التسعينيات وإدخال الكمبيوتر إلى كل المدارس وحققت نجاحات كبيرة، ولكن تعليم التابلت والأجهزة اللوحية كان شيئا مختلفًا تماما لانه اعتمد على التعليم الأحادى و سمعيا وشفهيا فقط اى حفظ وتلقين بشكل حديث ومتطور ويعتمد على كثرة الفيديوهات والمنتجة فى الخارج بل وتحولت المرحلة الثانوية بأكملها بتطبيقه الى نظام المنازل والامتحانات اون لاين او ما عرف بسقوط السيستم بل وأضيفت له جعل الامتحانات والإجابات عنها بنظام الصح والخطأ والتظليل لاختيار إجابة واحدة فقط من متعدد بدون الكتابة، وهى فى الأساس تعتمد على عبقرية واضع الامتحان واختيار أسئلته حتى لو بالتكنولوجيا، وأعتقد ان امتحان الكيمياء بثانوية هذا العام والذى اشتكى منه ليس الطلاب فقط وإنما مدرسو المادة نفسها، قد اعتمد على عبقرية هذا السيستم الاحادى وليس الواقع التدريسى للطلاب.
لقد هلل الكثيرون إلى التكنولوجيا ولم نسمع التحذيرات من الإفراط فى التعلق بها ودخولها مبكرا الى التعليم، بل لم نقم بدراسة علمية طالبنا بها، مع أساتذة الجامعات حول تقييم مستوى الدفعات الطلابية التى التحقت بالجامعة خلال السنوات الماضية على نظام التابلت وامتحانات الصح والخطأ.
الآن تداركت السويد وفرنسا على سبيل المثال أن أنظمة التعليم والكتابة وإنسانيته ضرورة لأن عدم إنسانية التعليم ربما هو ماأسهم فى تفاقم الأوضاع او ظهور العنف فى بعض البلاد الأوروبية خاصة بعدما ترسخ بها من ترويج الأقطاب الفكرية والفلسفية هناك لأفكار التفوق للعقل الأوروبى والرجل الأبيض، وأنه مع زيادة الهجرة إلى أوروبا التى كانت تحتاجها وبروز الجيل الثالث والرابع وضعف مستوى التعليم فى مدارس الأحياء الفقيرة والمهاجرة أضيف إليهم سطوة دخول التكنولوجيا والذكاء الاصطباحى المبكر الى التعليم فربما أسهمت وترسخت فكرة الغرور كراهية الآخر.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية