تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > أنور عبد اللطيف > وقائع "مبتورة" من خِطبة السيدة خديجة

وقائع "مبتورة" من خِطبة السيدة خديجة

دعوة فضيلة الإمام الأكبر أحمد الطيب شيخ الجامع الأزهر بعدم تقديس التراث الفقهى تعني قابليته للمناقشة حسب العصر ، لكنها لا تعنى بأى حال التفريط فى أمانة ودقة الوقائع التاريخية التى وردت فى كتب التراث، فأثناء بحثى فى سيرة السيدة خديجة بنت خويلد (عليها السلام) وخطبتها إلى محمد بن عبدالله (صلى الله عليه وسلم) وجدتُ كنزا انسانية ضائعا ومبتورا ، ففى المقال الماضى شغلنى تساؤل: كيف اختلف كتابان يحملان نفس الاسم «حياة محمد» - الأول للمستشرق الفرنسى إميل درمنغم، والثانى حققه المفكر المصرى محمد حسين هيكل – موضوع التساؤل الى من تقدم محمد لخطبتها، الى والدها خويلد أم إلى اخيها ام عمها عمرو؟، 

فعدت إلى طبعتين مختلفتين من سيرة "ابن هشام"، الأولى صادرة عن دار التحرير المصرية عام 1964حققها محمد محيى الدين عبدالحميد، والثانية يحمل غلافها المقوى إسم "مؤسسة علوم القرآن"، ولا تحمل اسم الناشر ولا المطبعة ولا تصديق أى جهة علمية، ولا تاريخ النشر، وبالبحث وجدتها صادرة فى بيروت عام ١٩٨٣، وضع فهارسها مصطفى السقا الأستاذ بكلية الآداب، وابراهيم الابيارى مدير ادارة إحياء التراث القديم وعبدالحفيظ شلبى مدير المكتبة الفرعية بدار الكتب المصرية!

وجدت عجبا، فالطبعتان تعتمدان على مصدر واحد لسيرة ابن هشام هو سيرة "محمد بن اسحاق بن يسار"، لكن "سيرة ابن هشام" طبعة بيروت المذهبة المجلدة المفخمة الرخيصة الثمن اغفلت صفحات من سيرة الرسول التى تظهره مثلا أعلى فى اليسر والبساطة للإنسان العادى يمشى فى الأسواق ويحب ويتزوج، ومنها هذه الصفحات التى اثبتتها طبعة "دار التحرير المصرية" وهي طبعة قديمة مهلهلة غير متاحة وأعتبرها من امهات السير التى استخدمت الهامش فى السند او إثبات المراجع او الوقائع المحذوفة او المختلف عليها والتى اعتبرت أن"موضة" تنقية التراث لا تعنى ان تحجب وقائع، فالاختصار بحجة التنقية يرقى الى درجة التزوير، خاصة اذا حملت نفس الاسم "السيرة النبوية لابن هشام" منها هذه الصفحات عن ليلة خِطبة السيدة خديجة:

يحكى ابن هشام فى طبعة دار التحرير: كانت خديجة امرأة حازمة شريفة لبيبة مع ما أراد الله بها من كرامته، فلما أخبرها خادمها الأمين ميسرة مشاهداته لمحمد فى رحلة الشام، بعثت إلى محمد (صلى الله عليه وسلم) فقالت له: يا ابن عمى إنى قد رغبت فيك لقرابتك، وسطنِك فى قومك، وأمانتك وحسن خلقك، وصدق حديثك، ثم عرضت عليه نفسها، قائلة: وهبتك نفسي ، وكانت خديجة يومئذ من أوسط نساء قريش نسبا، وأعظمهن شرفا، وأكثرهن مالا، وبعد أن قالت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه، وسلم ذكر ميله لأعمامه، فخرج معه رؤساء مضر وعماه "أبو طالب" و"حمزة" ابنى عبدالمطلب، فطلب أبو طالب زواجها فزوجه عمها عمرو بن أسد، ولما تم الإيجاب والقبول، أمرت السيدة خديجة بشاة فذبحت واتخذت طعاما، فأكلوا ثم خطب أبو طالب فقال: الحمد لله الذى جعلنا من ذرية إبراهيم وزرع اسماعيل واصل معد، وجعلنا حضنة بيته، وشوكة حرمه وجعل لنا بيتا محجوجا وحرما آمنا وجعلنا الحكام على الناس ثم آمين.. وهذا ابن أخى محمد بن عبدالله لا يؤذن به رجل إلا راجح.. وأن كان فى المال قلٌ، فالمال ظلٌ زائل.. وقد خطب خديجة بنت خويلد.. وبذل لها من الصداق ما آجله وعاجله كذا … من المال.. وهو والله بعد هذا له نبأ عظيم.. وخطر جليل جسيم..، 
ولما أتم أبو طالب خطبته تكلم ابن عم السيدة "خديجة" ورقة بن نوفل فقال: الحمد لله الذى جعلنا كما ذكرت.. وفضلنا على ما عددت.. فنحن سادة العرب وقادتها.. وأنتم أهل ذلك كله..لا تنكر العشيرة فضلكم.. ولا يرد أحد من الناس فخركم وشرفكم.. وقد رغبنا فى الاتصال بحبلكم وشرفكم.. فاشهدوا عليَّ معاشر قريش بأننى قد زوجت خديجة بنت خويلد من محمد بن عبدالله على أربعمائة دينار، ثم سكت ورقه، وعاد أبو طالب وقال: .. اشهدوا عليَّ يا معشر قريش إنى قد أنكحت محمد بن عبدالله خديجة بنت خويلد، وشهد على ذلك صناديد قريش!

وحضور ورقة ابن نوفل وقائع الخِطبة التى لم يذكرها مؤلفا «حياة محمد» الدكتور حسين هيكل ولا المستشرق إميل درمنغم، لكنها تتفق مع نبوءة ورقة حين أخبرته خديجة بأمر الوحى والملك جبريل الذى نزل على محمد بغار حراء، 

وحماس "ورقة" للمكانة التى سيكون عليها محمد لقراءاته سير الاقدمين ونبوءات القساوسة والرهبان والأحبار عن ظل النبى المنتظر الذي أظلنا لنجدة البشرية، وقد قال فى هذه المناسبة شعرا أختم به:

لججتُ وكنت فى الذكرى لجوجاً / لهمٍ طالما بعث النشيجاَ

ووصفٍ من خديجة بعد وصف / فقد طال انتظارى يا خديجا

بأن محمدا سيسود فينا / ويخصم من يكون له حجيجا

ويظهر فى البلاد ضياء نور / يقيم به البريةَ أن تموجا

فياليتنى إذا ماكان ذاكم / شهدت وكنت أكثرهم ولوجا!

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية