تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
هل عرفتم الآن «شنو وطن»؟!
اتصل بى صديق صاحب مكتب عقارات ورجانى بإلحاح تأجير شقتى في التجمع لمدة سنة واحدة، فسألته: ومن هذا الساكن الذى يهمك؟، فقال: أسرة سودانية، قلت: السودانيون أشقاؤنا صحيح ظروفهم صعبة، ويحتاجون مساعدات الجميع، فى السكن والمأكل والعلاج، لكنهم اصحاب بيت، فواصل عرضه: وهذه الأسرة عندها استعداد لدفع أى مبلغ .. خمسة آلاف .. سبعة.. عشرة "خمستاشر " ألف فى الشهر، وقبل أن أعبر عن دهشتى، أضاف: وحتى لو أردت بيعها، كم تطلب فيها؟، قلت: لا أوافق ولو دفعوا ثلاثة ملايين جنيه، فرد متهكما: انت طيب.. لو اردت بيعها بعشرة ملايين ستجدهم، فالناس فلوسها جاهزة.. فقاطعته بحسم: اولا هى شقة ابنى، وثانيا كيف أبيع شقة كان ثمنها مليونا ونصف مليون قبل ثلاثة أشهر، بمبلغ عشرة ملايين مأساة السودانيين؟!
انتهت الرسالة التى وصلتنى من صديق طلب أن نتحرك لوقف جنون العقارات!
استغربت ولعب الفار فى عبى وبدأت ابحث عن أبعاد الظاهرة.. وكتبت على جوجل كلمات بحث: سكن سودانيين..لاجئين..انهيار الوطن.. فوضى هجرة، فجاءنى جوجل بعدة تقارير وفيديوهات لعناوين عن مآسى الأسر السودانية ، وزحام على المعابر فى ارقين وكركر ووادى حلفا ومآس المخيمات فى تشاد، وتحقيقات وقصص أطفال ومسنين فى ضيافة أسر مصرية فى أسوان والقاهرة، وزحام شباب سودانيين أمام قنصلية مصر فى وادى حلفا، وغرق مصريين وسودانيين وسوريين فى مركب هجرة غير شرعية، وتحذيرالرئيس السيسى امام القمة العربية فى جدة « أن الحفاظ على مؤسسات الدولة الوطنية صار فرض عين»!
فتحت الرابط الاول قادنى لصفحة مواطن سودانى اسمه بابكر الجازولى، يوجه حديثه بالفيديو ويقول: أشكو بمرارة من المستغلين الذين كانوا ينتهزون أى أزمة فى السودان، هزة أرضية.. كورونا ..جفاف.. فيضان، ليضاعفوا أسعار الغذاء والدواء والسكن فى كل أنحاء السودان، وبعد أن تركنا لهم السودان لحقوا بنا فى مصر، تسببوا فى رفع أسعار السكن بجنون فى أحياء القاهرة الجديدة والمهندسين وفيصل والعجوزة وعين شمس، آلاف السودانيين لديهم شقق تمليك وعمارات فى مصر، أى زول عنده شقة في القاهرة كان يؤجرها قبل الحرب بثلاثة آلاف أو أربعة آلاف فى الشهر، صار يعرضها بعد لجوء السودانيين إلى أم الدنيا بعشرة آلاف وعشرين وثلاثين وأربعين ألفا كل شهر، ومع أن أسعار الغذاء والحياة والمترو والمواصلات فى القاهرة عموما لم تزد إلا بالقدر الطبيعى الذى فرضته الازمة الاقتصادية والعالمية، إلا أن سعر السكن أصابه الجنون بسبب الزول ابن بلدنا، وهو يعرض الشقة بنفسه أو من خلال سمسار سودانى نيابة عن صاحبها الزول الجالس فى السعودية او الامارات او الكويت، وفى النهاية يوجه الجازولى نداءه غاضبا: يا جماعة الخير ليه كل جنون فى السكن وراءه سوداني؟ وما ذنب إخواتنا ومضيفينا فى أم الدنيا؟
وبعد ان حاولت التخفيف من انفعال ابن النيل وغضبه على مواطنيه لكني أسأل المتحاربين الذين تسببوا فى تشتت وهجرة السودانيين بكثافة لم تحدث عقب كل الانقلابات خلال ٧٠ سنة: هل عرفتم الآن شنو وطن؟!
أما التقرير الثانى فتحكى فيه المواطنة السودانية دانيا النصرى، التى تدرس الدكتوراه فى لندن وحبسها القتال بين أهلها فى الخرطوم، ونامت تحت السرير يومين كاملين حتى فجر المتمردون فى الإنقاذ السريع أبواب الشقق فصارعلى الأسرة الفقيرة أن تواجه الموت متمسكة بموطنها، أما الأسر القادرة - مثل أسرة دانيا النصرى - فيدفع الفرد الواحد 500 دولار لسائق كافورى حتى الوصول الى قسطل ووادى حلفا التى أصبحت منطقة انتظار شاسعة لرجال بالغين بعضهم مع آبائهم وأطفالهم، وبعضهم لا يعرفون مصير أسرهم، والآخرون اطمأنوا لعبور ذويهم من الكبار والأطفال إلى فروع عائلاتهم فى مصر، ونجحت دانيا - ضمن 250 الف سوداني- فى الهرب من الموت حتى حدود معبر أرقين مقابل ٥٠٠ دولار. وركبوا قطار القاهرة مثل المصريين بما يعادل دولارين!
قادنى رابط ثالث الى ضحايا عصابات تهريب البشر ومرتزقة نشر الفوضى فى 18 يونيو الماضى حين ابتلع البحر ٩ من شباب قريتى ابراش ومشتول السوق فى محافظة الشرقية، وصور جنازات أبناء القريتين الذين غرقوا فى مركب باليونان ضمن 750 شابا من إفريقيا وسوريا، بينهم سبعة من عائلة السيد جاد، الذين باع كل منهم تحويشة العمر لجمع مبلغ 140 ألف جنيه ـ أى ما يوازى 4500 دولار، للسفر إلى أوروبا، وقادتهم عصابة إلى مركب الموت على شواطئ ليبيا حتى غرقت بأحلامهم قبالة اليونان، واتخذت العصابة مقرا لها فى ليبيا منذ أن دمرت فيها الدولة الوطنية بمشاركة حلف الناتو فى "ربيع" ٢٠١١!
والرابط الرابع قادنى لتقرير كتبته الصحفية السودانية خديجة الرحيمة تقول فيه: قررت البقاء مع أسرتي فى الخرطوم رغم القصف ورغم التهديدات بالمغادرة، وممتنة لأصدقائي في مصر التى فعلت المستحيل لاستضافة 12 مليون سودانى واستيعاب طلاب المرحلة الابتدائية والثانوية بكل مدارس مصر لإجراء الامتحانات، فشكرا أنيقاَ لمصر وحكومتها .. نردها لكم فى السمح!
…
وفى النهاية دعواتى لأشقائنا فى النيل بالأمن وحفظ الله للجميع نعمة الوطن. وعيد أضحى مبارك.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية