تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
من دفع للزمار .. آخر ما قرأ الأستاذ هيكل!
آخر كتاب قرأه الاستاذ محمد حسنين هيكل وتركه على مكتبه وبداخله كتب آخر الملاحظات فى حياته بخط يده هو كتاب «من دفع للزمار.. المخابرات الأمريكية والحرب الباردة الثقافية».. من تأليف المؤرخة البريطانية فرانسيس ستونور سوندرز وصدرت طبعة لندن عام 1999، ورحل الأستاذ هيكل إلى رحمة الله فى مثل هذه الايام عام 2016، وانتقل الكتاب وبداخله الملاحظات ومكتبه بالكامل الى جناحه بمكتبة الاسكندرية ومعهما الوردة التى كانت تضعها قرينته السيدة هدايت تيمور أمامه كل صباح!
وبعد أن حصلت على صورة من تعليق الأستاذ هيكل على الكتاب، بحثت عن الكتاب وجدته ترجم وصدر عام 2009 عن المركز القومى للترجمة بسعر مدعم لا يزيد على 40 جنيها فى زمن الدكتور جابر عصفور، ترجمة طلعت الشايب وتقديم مؤرخنا الكبير الدكتور عاصم الدسوقى، لكنى وجدت الكتاب قد انتقل الى "ناشر مستثمر" بوسط البلد ويباع الآن بمبلغ 600 جنيه!!
بدأت فكرة الكتاب حين لاحظت المؤلفة سلسلة مقالات تشيد بدور المخابرات الأمريكية بما تقدمه من دعم لـمدرسة نيويورك فى الفن فقضت عاما كاملا للتنقيب عن السر حتى أسفر بحثها عن مسلسل تليفزيونى باسم «الأيادى الخفية», وكان هذا العمل الدرامى نواة كتاب «من دفع للزمار» الذى كشف العالم الخفى لتسييس الثقافة والفن والأدب، خلال ما سمته الكاتبة الحرب الباردة الثقافيّة بين أمريكا والشيوعيّة، واستخدمت فيها المخابرات الأمريكية التمويل المشبوه لمؤسسات ثقافية وصحف وسينما لتجميل صورة الولايات المتحدة وتقديمها للعالم على انها نصيرة الحرية وحقوق الانسان، وكان الهدف الدائم للعديد من المطبوعات والإذاعات والمؤتمرات ومعارض الفن والمهرجانات والمنح والجوائز، هو محو فكرة أن أمريكا صحراء ثقافية، وزرع فكرة جديدة مؤداها أن العالم يدخل جنة سلام القرن الأمريكى! وتساءلت المؤلفة: كيف يمكن للفن أن يكون فى الظاهر مستقلاً وملوثا بأغراض سياسية من جهة خفية؟
وكتب الدكتور عاصم الدسوقى فى مقدمة الكتاب أن المخابرات الأمريكية بعد أن تحالفت مع الاتحاد السوفيتى فى الحرب ضد الفاشية والنازية انقلبت لمحاربته ومحاربة الشيوعية، وانطلق مشروع مارشال الذى يتلخص فى تقديم مساعدات اقتصادية لأوروبا الغربية خاصة للدول المهددة بأزمة اقتصادية وكان الهدف حتى لا تسقط فى يد الأحزاب الشيوعية وكانت اليونان وتركيا أول من حصل على المساعدة الأمريكية!. ووصف هذا الدعم بـاستعمار الدولار.. وأعلن ترومان برنامجه لتحقيق السلام العالمى عام ١٩٤٧ وفق محاور أربعة: التأييد المطلق للأمم المتحدة، وكسب الشعوب بالعمل على الإصلاح الاقتصادى، وتقوية الأمم التى تعادى الشيوعية، وتقديم المعونات لتحسين أحوال مختلف بلاد العالم فى حماية حلف الأطلنطى!!. ومن يتأمل هذه المحاور الأربعة لتحويل اقتصاديات مختلف الدول إلى الاقتصاد الحر، ودور حلف الاطلنطي يجدها تبدو وكأنها إنسانية لمصلحة البشرية جمعاء، ويجدها تفسر دور الحلف فى احتلال العراق وتمزيق سوريا وانتزاع تفويض عربى بضرب ليبيا واخيراً المشاركة فى ابادة الفلسطينيين بقطاع غزة!!
ومبكرا أدركت الحكومة الأمريكية أن مشروع مارشال والنقاط الأربع لا يكفيان وحدهما لإزالة الشيوعية. ومن هنا اتجهت السياسة الأمريكية إلى تصويب ضرباتها على جبهة الثقافة العريضة بما تشمله من أفكار وفنون وآداب وعلوم فى محاولة متواصلة لتغيير أذهان الشعوب وتشجيعها على كراهية الشيوعية والوقوع فى غرام النموذج الرأسمالى الأمريكى حتى يتم احكام السيطرة عليها!
وحول نقطة التبعية وإحكام السيطرة بالذات قال الدكتور جلال أمين إنه منذ معاهدة تكبيل محمد على عام 1840 وحتى الصراعات الموجودة الآن على المنطقة إذا أحسنت مصر إدارة الصراع تخرج منه رابحة.. وسألت الأستاذ هيكل كيف نتجنب ظاهرة «لي الذراع» باستخدام المعونات فقال: إذا كانت حاجتك إلى أى طرف دولى تؤثر على قرارك، وأمنك القومى فلابد أن هناك شيئا ما خطأ!! لابد أن تراعى ضرورات أمنك القومى، لابد من وئام مع تركيا وعدم معاداة لإيران، التى كانت علاقتنا بها فى العصر الملكى على وجهها الصحيح، حين تزوج ولى عهد إيران محمد رضا بهلوى ـ قبل أن يصبح شاه إيران ـ من شقيقة الملك فاروق الأميرة فوزية فى 16 مارس من 1939م.
وأعود إلى ماكتبه الأستاذ هيكل فى ورقة بخط يده وجدتها داخل كتاب من دفع للزمار (يجب ألا يفهم مما أقول إن هذا رأى الأستاذ هيكل بل هى مجرد ملاحظة مات قبل أن يقدمها فى بناء معمارى فريد على طريقته).. فكتب بالحرف مسرحية أرثر ميللر.. وبحثت ودققتُ فوجدت مسرحية «البوتقة» التى فضح فيها الكاتب الأمريكي أرثر ميللر ما كان يُعرف بالحقبة المكارثية فى أمريكا والعالم الرأسمالى حين كانت ترفع لافتة مكافحة الشيوعية لاستغلال الناس واحتلال الدول بالباطل وباسم الحريات والحقوق المدنية!
وأختم بتساؤل الأستاذ هيكل الذي تركه بلا إجابة فى نفس الورقة: هل نزع اللافتات يكفى لنزع التهمة عن طرف وإلصاقها بطرف آخر؟!
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية