تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
فتاة و بحيرتان.. وسؤال الصفقة فى غزة!
هل يكفى أن تغفر الزوجة الضحية لزوجها قاتل آمانها وتتنازل عن جراحها وآلامها وتحمل نفسها مسئولية دمار عشها ليعود السلام بينهما؟
أطرح هذا السؤال من وحى انتهائى من قراءة رواية «فتاة و بحيرتان» للكاتبة أمانى القصاص، الصادرة عن دار ريشة، فى نفس التوقيت الذى قرأت فيه سؤالا متألما للكاتبة الأستاذة دينا ريان، بعد ساعات من اتفاق هدنة غزة لتسليم الرهائن: «طب كل ده كان ليه؟»
وسؤال كاتبة «فتاة و بحيرتان» هو نفسه سؤال ابنة الشهيد محمد فهيم ريان، رغم اختلاف ميدان القتال، فالسؤال الأول مرتبط بتجربة شخصية للفتاة «نداء» ضحية ظروف اجتماعية موروثة قاسية، فى ثمانينيات القرن الماضى حبيسة مع أسرتها على ضفاف بحيرة «البرلس» حيث لا ينجو على شاطئها شيء من مقصلة الصياد، لا سمك ولا طير، وحياة المرأة موزعة بين توديع الزوج لاهثة وراءه فى ظلام الليل حتى تبلعه ظلمة البحيرة فى رحلة الصيد وبين استقباله لحظة عودته للجلوس بالرزق فى الاسواق، عمل وشقاء وقهر الموروث الاجتماعى للبنت فى الأسرة، وقررت الفتاة السفر لاستكمال دراساتها العليا فى الكيمياء بجنيف، وهناك عاشت على ضفاف بحيرة نظيفة مبهرة تحيطها الإضاءة والجماليات الفنية والتحضر، تمرح على شطآنها أنواع الطيور بسلام وطمأنينة، وترتبط برجل «عراقى» اسمه حسين، يكبرها بعشرين عاما استطاع بمهارة إخفاء قبح طباعه واستغل حاجتها إلى الرومانسية والأمان حتى وقعت فى حبه. وبعد الزواج عانت نزواته التى لا حدود لها، ثم كذب عليها حين اكتشفت أنه متزوج ومعه أولاد، فكانت النتيجة مرضها البدنى والنفسى والحيرة، والضياع ولا تعرف إلى من تنتمى، فلديها حب لبساطة انتماء النشأة، ولديها عشق للنور والرقى والحرية وانتماء الرغبة والحلم فى مدينتها الجديدة لكن مع رجل سادى مخادع، وذهبت للطبيبة النفسية لتفرغ همها وغضبها تسألها طريقة للخلاص، إما مسامحته والاستمرار معه فى أضواء جنيف، وإما تركه والعيش بسلام مع بكارة وبساطة جمصة!
فقالت الطبيبة: حبيبتى .. الزواج الفاشل لا يدمر الحياة، لكن ما دمر حياتك هو الاختيار غير المناسب، و«طلبت منى الطبيبة أن أخرج كل ما بداخلى على الورق، وأن أكتب كل ذكرى تخطر ببالى، وأكتب رسائل لنفسى ولكل من حولى».. فكتبت كوابيسها وأحلامها ورسائل صفح وغفران إلى كل من آلموها، ورغم العيشة الحافلة بالمعاناة والهجر والألم، كتبت الى زوجها رسالة غفران: أنت لست الظالم المخادع الذى أهاننى وأساء إليّ، فقد جنيت على نفسى قبلك، وظلمت نفسى حين وجدت أن الحل لمأساتى الأسرية هو السير مغمضة فى طريقك، وأن ما وصلت اليه معك كمن يحتمى بالموت من النوائب!
وتلتقى الكاتبتان فى سؤال «كل ده كان ليه»!
الأولى عادت الى الجذور، فى أسلوب حكى أخاذ ممتع وشائق وتحليل مشحون بالدروس والمفاجآت والصراحة والاعترافات عن بطلتها وشهواتها وغرائزها وعجزها وغرورها فى صحبة طبيبة نفسية تحلل كل شاردة وواردة فى حياتها الذى دفعها للارتباط بالزوج المخادع!
والكاتبة الثانية طرحت علينا سؤالا متألما فى حيرة "على رصيف" صفحتها: كل ده كان ليه .. هل ضحى الرئيس الإيرانى السابق وحسن نصر الله والسنوار بحياتهم مجانا، وهل قامر هنية بأولاده وأسرته فى لعبة مؤامرة؟!
وللإجابة السؤال الذي عبر عن حسرة دينا؛ لابد أن نعود إلى الجذور أيضا ما قبل طوفان الأقصى، فالحروب لا تقيم بنتائجها فقط ، ولكن تقيم بظروفها وأسبابها وما قاد إليها، ففى كتاب «لماذا نحارب» لـ «كريستوفر بلاتمان» خبير الصراعات بجامعة شيكاجو، قال إن الحرب تندلع لخمسة أسباب منها المصالح التى لا ضوابط لها ، وحالة عدم اليقين إزاء قدرات الخصوم، والتصور بأن الهجمات الاستباقية هى الخيارَ الأفضلَ، وأخيرا مشكلة الالتزام»؛ وذلك عندما تعرض القوة المهيمنة راعية السلام صفقات تتعارض مع الحق وأصول التسوية؛ وتشيطن أحد الطرفين دائما، وتنسب اليه أسوأ الدوافع ولا تترك خيارًا أمامه كصاحب الحق سوى اللجوء إلى هجوم وقائى!
وهكذا .. لم يكن أمام متخذ قرار طوفان الأقصى حل سلمى بديل وقتها؟
فهل قبل نيتانياهو مبادرة السلام العربية التى طرحت منذ 2002 وعرضت التطبيع الكامل مع إسرائيل مقابل الاعتراف بالدولة الفلسطينية والانسحاب من الاراضى المحتلة، وهل حكومته العنصرية تبنت أى سلام غير تهويد الأراضى ونشر الاستيطان واقتحام الأقصى وجعل القدس عاصمة أبدية لاسرائيل، وسعيها لتصفية القضية على حساب الجيران، وحصار كامل لقطاع غزة يدخل عامه العشرين، وأخيرا.. هرولة أصحاب «المبادرة» بالتطبيع المجانى مع دولة الاحتلال. وسباق فى عرض مشروعات استثمارية وقنوات بديلة وتنسيق أمنى وسفارات واتصالات وخطط ومكاتب تمثيل فى السر والعلن؟!
ويبقى السؤال: بعد 471 يوما من الحرب وسقوط 47 ألف شهيد و أضعافهم من الجرحى والمفقودين تحت حطام قطاع غزة؛ وبعد مشاهد السعادة فى عيون الرهينات والأسرى وأفراح أهل «غزة» بالإفراج عن الرهائن بصفقة سلام طرحتها المقاومة من الأسبوع الاول لا بالحرب التى ارادتها اسرائيل ومن وراؤها ؛هل يكفي ما طرحته دينا ريان بمرارة عن الصفقة التى تمت بطلوع الروح.. وإثارته اماني القصاص عن مأساة "نداء" واخواتها، هل يكفيان للإجابة على سؤال كل متفرج أو متألم: كل ده كان ليه؟
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية