تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
فارس على الحافة
الرجل الثانى فى أى عمل هو فعلا "رجل على الحافة"، ليس على طريقة الفيلم الأمريكى الشهير الذى وضع فيه البطل مشاهديه بين الانتحار وبين تحقيق أهدافه، ولكن البطل هنا وضعنا أداؤه أمام خيار وحيد هو الإعجاب بعشقه العمل بين نارين، وإنجاز مهمته بأمانة على أكمل وجه.
ورجل الحافة بمنظور علم النفس يعتبر العيش تحت ضغوط لا تنتهى من صميم رسالته فى الحياة، ضغوط مصدرها فريق العمل وتداعيات المنافسات ومشاكل المهنة من جهة ، وبين متطلبات وأوامر القائد بملاحظاته ، وتوجيهاته، أهدافه الإستراتيجية، عتابه لومه وما يتوقعه من أداء مثالى خال من الأخطاء من جهة ثانية.
ومهمة رجل الحافة أو الرجل الثانى هى امتصاص التوتر وشحنات الغضب وعدم تصدير المشاكل للقائد وامتصاص غضبه ومراعاة اعتبارات السياسة ومواءماتها، وترجمتها إلى خطط عمل وحملات يفهمها وينفذها "الشغيلة" يشخص الأمراض والمشاكل.. يقترح الحلول، ويقدم منظورا مختلفا وأميناً للقيادة يساعد على اتخاذ قرارات واقعية متوازنة، تسهم فى الاستقرار النفسى والانسجام بين أطراف العمل.
وتظهر مهمة رجل الحافة فى أوقات الضغوط والأزمات والتحولات، ونجاح مهمته مرهون بصلابة الجسر الذى يربطه بالقائد، ونجاته من المتربصين والباحثين عن ثغرة أو نقطة ضعف لهدم هذا الجسر، كما هو مرهون ايضا بثقة الفريق فى كفاءته وأدائه وإخلاصه فى استيعاب قضاياهم!. حتى فى الدراما فإن الرجل الثانى تعكس شخصيته روح العمل الفنى وبريق شخصية «الرجل الأول» تكملها أو تتناقض معها. ومدى قدرة «الرجل الثانى» على الإقناع بالمهام التى يتطلبها الدور، منافس، ظل، صديق، او مرجعية، والمهم فإن وجوده اساسي فى دفع العمل الدرامى للأمام!.
ال
والثقة المتبادلة بين القائد والرجل الثانى تُكسب جسر التواصل المناعة الكافية ضد الفتنة ومحاولات الوقيعة، وتكون المحصلة تحقيق التطوير الممكن والرضا الوظيفى على مستوى الأفراد وعلى مستوى المؤسسة!
والرجل الثانى الفارس الذى أعنيه هو الأستاذ حازم عبدالرحمن مدير تحرير الأهرام رئيس الديسك المركزى الذى رحل عن دنيانا منذ يومين.
كانت جلسات الأستاذ حازم تنقلب إلى دائرة حوار، انتقلت إليه هذه المهارة بالوراثة منذ عمل فى القسم الخارجى عام 1981 ايام الراحلة العظيمة جاكلين خورى والراحلين الأستاذ حسنى جندى والأستاذ محمد عيسى الشرقاوى، وكانوا يفضلون قضاء «بريك» القسم جماعات وسط كافتيريا الدور الرابع، فضلا عن إدراك الأستاذ حازم أن صوته الجهورى لا يعرف لغة الهمس والوشوشة أو أحاديث النميمة وخصوصيات الناس، بل اعتاد ان يتحدث فى قضايا عامة أو ثقافية أو فكرية يغرى من يسمعه بالمشاركة أو التأييد، اما المعترض أو المختلف معه فهو ما يعشقه الأستاذ حازم يبادره بسؤال: اشرح!.
لذلك حين اختاره الأستاذ إبراهيم نافع (1934 ـ 2018) مديرا للتحرير رئيسا للديسك المركزى عام 2004 كان قرارا صادما فلم يكن من المألوف اختيار هذه القيادة العليا من بين «عامة الناس» وهو يعد انقلابا إذا قورن باختيار سلفه الأستاذ عبدالوهاب مطاوع لشغل نفس المنصب، كان الأخير يسكن فى برج عاجى ورئيس تحرير مجلة الشباب ومنكبا طول الوقت، على مناقشة هموم الناس على الورق فى بريد الأهرام خلف جدران مكتبه ولم يشاهد مرة واحدة «يحتسي» فى الكافتيريا بل كان يستدعى من يصطفيه على فنجان قهوة فى غرفته، ثم جاء «حازم» بفطرته ليقلب هذا الاختلاف إلى ميزة إدارية بعفوية ودون قصد فتحول مكتبه إلى منتدى دائم لمحررى صالة التحرير حول خبر او قضية او فكرة تحقيق أو هم معيشي، وأحيانا من بين مايجوز نشره وغالبا حول الممنوع من النشر، وقد يتبنى من بين الممنوعات قضية جماهيرية يدافع عنها بمنطق "خلي الناس تتنفس" ويحاول إقناع "الريس"بنشرها.
وقد أدرك الأستاذ أسامة سرايا حين جاء رئيسا للتحرير (2005 ـ 2011) هذه الجاذبية فى شخصية «حازم» علاوة على مهارته وعشقه للعمل ، واعتبره شريكا لا رجل ثاني ، وإذا ما انشغل الأستاذ سرايا بأى مهام سياسية أو مقابلات، أو تعرض لعواصف «تشتيت» وجد «حازم» ظهيرا امينا فى العمل يأمن له ويثق فى مهنيته وتواصله مع صالة التحرير.
اعتذر عن طول المقدمة فقد حاولت أن أجيب بها على سؤال عمره 30 سنة طرحه معى الأستاذ حازم عبدالرحمن ، حين كنا فى أبوظبى أثناء إجازتنا عام ١٩٩٥ للعمل بمجلة زهرة الخليج ، وفى جلسة بعد العشاء سألنى «حازم» ما رأيك فى الرجل الثانى، فى أي عمل، فأجبت وقتها: هو حلقة الوصل بين نارين فقال لى: اشرح؟..
فلم اشرح وقتها ما يكفي، إذ اعتبرت طلبه من قبيل شغل الوقت حتى يدركنا النوم،
وحين فجعنى خبر رحيله منذ يومين (1948 ـ 2025) تذكرت ادبه وثقافته وسؤاله القديم، وحاولت الإجابة كما لو كان يسمعنى فوجدت كل هذه المقدمة تنطبق على مسيرة حياته المهنية حين عُين مدير للتحرير والديسك المركزي والضغوط التى واجهها على الحافة الرجل الثانى أو شريك النجاح حازم عبدالرحمن.. يرحمه الله
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية