تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > أنور عبد اللطيف > صلاح جاهين.. صاحب الليلة الكبيرة!

صلاح جاهين.. صاحب الليلة الكبيرة!


اختارت الحكمة المصرية أن يتعانق افتتاح معرض القاهرة الدولى للكتاب مع عيد جهاز الشرطة المصرية الـ 71، واختارت الهيئة المصرية العامة للكتاب اسم الفنان صلاح جاهين ليكون شعارا لهذه الدورة رقم 54. 
ومؤلف الليلة الكبيرة - الاوبريت الخالد الذي لحنه العبقري سيد مكاوي ـ شخصية المعرض رمز فكرى أصيل لثورة ٢٣يوليو ويضعه مؤرخون أهم أعضائها من خارج تنظيم الضباط الأحرار، واختياره ذكى وموفق، لأن رفض الشرطة المصرية تسليم مقارها فى القناة للمحتل الانجليزى فى ٢٥ يناير ١٩٥٢ كان ضربة البداية لنجاح ثورة يوليو فى طرد الانجليز من كل مصر عام 1954، 

ولا تزال لغة صلاح جاهين العابرة للثورات والثقافات والأجيال والاشواك تملك كل مؤهلات النفاذ الى قلوب عامة المصريين والعرب، فهى عامية بلا إسفاف وهى فصحى بلا تعال، ولغته منفتحة على الإعلام الرقمى الجديد فى البساطة والتلقائية والإيجاز فى التعبير بأقل عدد من الكلمات، واحيانا دون تعليق، وجدت جملته ـ التى تفوق التغريدات الإلكترونية فى عمقها ـ طريقها سهلا الى اجيال السوشيال ميديا، فطوال مسيرته الابداعية شاعرا ومؤلفا وكاتب سيناريو ورساما استطاع أن يعبر عن كل ما يشغل البسطاء والمثقفين مستخدماً ألفاظ الشارع العربى بكل خصوصياتها المحلية، وأعلن موقفه بحسم فى الأحداث الجارية وأحلام الوطن والخلل فى دواوين الحكومة ومواقف الساسة ونجوم الفن والمجتمع التى لا تستقيم مع المنطق الفطرى! 

ومازال الجمهور العام حتى اليوم يتفاعل بعشق مع عامية صلاح جاهين، رسم مرة «الزول» السودانى بجلبابه الوطنى وعمامته البيضاء يمسك مفتاح فك الصماويل ويقترب من قنبلة مكتوب عليها الإخوان المسلمين ويقول ببراءة: «البتاعة» دى لازم نحلها! 

كل المتمردين على الجمود والحالمين بالحبيبة رددوا خلف صلاح جاهين:
 انا اللى بالامر المحال اغتوى
شفت القمر نطيت لفوق فى الهوى
 طولته.. ما طلتوش.. ايه انا يهمنى.. وليه
 مادام بالنشوى قلبى ارتوى!

وهى لغة طائر عاشق للحياة يحلق وراء حلمه، ومحاولاته فسرها الشاعر جمال بخيت بأنها تجسيد حى لأحلام الثورة المصرية فى أطوارها عبر العقود، وفى قفزاتها الى القمر الذى يمثل الحرية والكرامة والمكانة التى يستحقها المصريون فى التمدن، وحقهم فى «صناعة كبرى.. وملاعب خضرا.. تماثيل رخام ع الترعة.. واوبرا ..»، وكلها امنيات مشروعة انتبهت لها الدولة فى الجمهورية الجديدة فجعلت هدفها توفير حياة كريمة للناس فى عشوائيات المدن والريف وتحقيق العدالة الاجتماعية والثقافية، والحلول كانت موجودة على مدد الشوف فى البر التانى لكنها ـ فقط ـ تحتاج من المصرى ارادة وعلما وعملا! 

ما أكثر المعارك التى اشتبك جاهين فيها مع الاستعمار وأعوانه، منها حملته على دستور الرئيس الفرنسى ديجول باعتبار الجزائريين فرنسيين، فرسمه مركولا بحذاء عسكرى وتحته تعليق: امشى يا فرنسى يابن الفرنسية! 

وعاش صلاح جاهين بقلمه وريشته «حكاية شعب» بكل تحديات مرحلة بناء السد العالى وتأميم القناة والبنك الدولي والاستعمار المستغل للشعوب الفقيرة، كما اشتبك ـ داخليا ـ مع المدعى الاشتراكى ونوم الموظفين فى الدواوين، والمسألة التعليمية، والمسألة الغزالية حين طلب الشيخ محمد الغزالى من الرئيس جمال عبدالناصر فرض زى محتشم على البنات انتفض: 
قلبى انهبش بين الضلوع وانخلع
ياللى نهيت البنت عن فعلها
قول للطبيعة كمان تبطل دلع!!

كما تصدى صلاح جاهين للصرعات الجديدة فى اللغة وأنماط الحياة الغريبة والخنافس!

ورغم أن صلاح جاهين (1930ـ 1986) رحل منذ 37 سنة فإن لغته الساخرة عاشت عابرة للأجيال والثقافات والحدود والأسلاك، وبسببه انطلق الكاريكاتير السياسى  الاجتماعى الى كل انحاء العالم العربى، وهدم الحائط السميك الذى يفصل بين الكاريكاتير السياسى والفكاهة الاجتماعية او القفشة السينمائية، كما كتب الفنان محيى الدين اللباد فى تقديمه الأعمال الكاملة لصلاح جاهين. 

ولا يزال يدهشنى صلاح جاهين حين يختزل آلاف الصفحات برسمة معبرة، ويعلق عليها بأسلوب حلو ومضحك لكنه حارق ولاسع، ويحضر موقفه السياسى وراء كل هزار ويحضر العبث والهزل وراء كل جاد ومتجهم، ولا يكتمل الكلام عن صلاح جاهين الا ببعض رسومه وتعليقاته التى تشبه العسل المر: 

ـ فرسم ممثلة ناشئة  تطير من الفرح وتقول لوالدتها: 
(باركيلى يا ماما بدأت تطلع عنى إشاعات!!)

ـ ورسم أحد اثرياء الحروب يخاطب آلافا من العمال الأوروبيين يستعدون للانتحار بسبب البطالة:
 (حرام عليكم .. خسارة..استنوا .. هنعمل لكم حرب تموتوا فيها كلكم!!

ـ وفى "المسألة الأمية" يصور حديثا بين طالبين فى شارع يجلس فيه عجوز متسول أسفل لوحة لمهرجان عن شوقى وحافظ:  (دول ياسيدى بيحتفلوا بأبو فريد شوقى وأبو عبدالحليم  حافظ).!!)

ـ وهذا المليونير صاحب النادى الرياضى يتصاعد دخان السيجار من فمه غضبا وهو يخاطب فريق الكرة المهزوم قائلا: 
(بشرفي لو اتغلبتوا تاني لاكتب الفريق على اسم بنتى!!)

صور حديثا بين اثنين من العاملين فى الرقابة على المصنفات الفنية يشهران مقصيهما نحو شريط فيلم سينمائي:
(قالولنا نقص المشاهد التى تتعارض مع القيم .. لكن ماقالوش لنا يعني إيه قيم !!)

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية