تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > الكتاب > أنور عبد اللطيف > شوقى جلال.. وتراث مصر المسروق!

شوقى جلال.. وتراث مصر المسروق!

كلما ذُكرت عبارة "اعرف نفسك" أتذكر أستاذين أدين لهما بالفضل رغم أن الفرق بين معرفتى بكل منهما 50 سنةً! 

الأول هو الأستاذ سالم دويدار مدرس العلوم حين كنت فى الصف الثالث الإعدادي، شرح لنا قانون الطفو لـ «أبو الفيزياء» أرشميدس .. وربط القانون بمقولة "اعرف نفسك"، وقال لو ضغطت على قطعة خشب داخل إناء به ماء فإن حجم الجسم يساوى كمية الماء الذى تم خسارته من الإناء، يعنى بالبلدى كده لو تصورت مصر هى البحر وقطعة الخشب هى الاحتلال، فإن هزيمة أى دولة تقاس بحجم الخسارة التى فقدتها من إرادتها وقيمها وثقتها بنفسها، تحت ضغط العدو! 

وحين شرح لنا ذلك كانت مصر تعانى تداعيات الهزيمة وتحاول إنعاش نفسها بنتائج حرب الاستنزاف عام 1969 ضد المستعمر الصهيوني، ولم يكن معلمى يدرى انه سيأتى بعد خمسين سنة أستاذ آخر  اسمه الدكتور شوقى جلال يصدمنى  بكتاب يشرح لى بالحقائق والشهادات أن أرشميدس ليس أبو الفيزياء وأنه كان أداة من أدوات استعمار الفكر وسرقة العلوم والخصاء الثقافى لمصر حتى لا تعرف نفسها وفرض العزلة على حضارتها وتجريدها من العلوم والفنون ونسبها إلى الغزاة اليونانيين من سقراط وأفلاطون وأرسطو حتى الاسكندر الأكبر! 

فما هى حقيقة الحضارة التى صدمت مظاهرها رفاعة الطهطاوى قبل نحو 190سنة وكشف حفيده شوقى جلال انها حضارة بأصول منهوبة ، ولا امل فى احفاد لصوص الحضارات ان يعيدوا لنا الاثار الخالدة التى نهبها اجدادهم من قبل مثل راس نفرتيتي وحجر رشيد ، واكتفى شوقي جلال  بجرس انذار قبل ان يغادر دنيانا فى 17سبتمبر من العام الماضى، ويحتفل غدا المركز القومى للترجمة بمرور 93 سنة على ميلاده  فى 30 أكتوبر عام 1931!

الصدمة التى قدمها شوقى جلال هى كتاب ألفه المفكر والمؤرخ الأمريكى "جورج جى إم جيمس " بعنوان (التراث المسروق ـ الفلسفة اليونانية فلسفة مصرية مسروقة) .. الكتاب صدر بالإنجليزية عام 1954، وترجمه للعربية شوقى جلال عام 2017، وأتاحت  مؤسسة هنداوى نسخته الالكترونية مجانا عام 2023 لدعم الباحثين عن جذور العدائيات الثقافية والتى أخذت شكل حروب اقتصادية وعسكرية مسلحة تشنها الحضارة الغربية بقيادة الولايات المتحدة وحلفائها ضد الحضارات القديمة المنهوبة فى إفريقيا والمشرق!
‎يقع الكتاب فى  جزءين؛ الأول حقق فيه المؤلف المؤرخ  بالأسانيد والمنطق كيف نقل الفلاسفة اليونانيون أصول الفلسفة المصرية القديمة إلى بلادهم لدرجة انها كانت غريبة على اليونانيين أنفسهم، فى منهاجها التعليمى وتعقيدات فقه نظام الأسرار المصرى الذى استمر مغلقا عن العالم طيلة خمسة قرون حتى تعرض للاختراق والنهب الأول على يد الفرس !

أما الجزء الثانى فقد تناول فيه المؤلف محاولات التحايل الحديثة والتقليل من شأن حضارة مصر بدعوتى المركزية الأوروبية والمركزية الإفريقية، ثم عرض المؤلف الأمريكى ملحقا بالحجج التى تشرح كيف انتقل نظام الاسرار المصرى الى الفلسفة اليونانية والآثار المدمرة لغزو الفرس ثم الاسكندر الأكبر مصر!
ما لفتنى فى الكتاب هو اسلوب المترجم العلمى المتأدب بسلاسة وإقناع، كما أنك تشعر بأن المؤلف صاحب قضية، وهو يقدِّم تحليلاتٍ «صادمة» حول حقيقة نسبة الفلسفة التى سُمِّيت اليونانية إلى الإغريق، مؤكِّدًا أنها فلسفةٌ مصريةُ الأصل، لكنها تعرَّضت إلى أنواعٍ مختلفة من عمليات السطو، بدأت قبل نهب «الإسكندر الأكبر» مكتبةَ الاسكندرية والمعابد لضمان الحصول على الكتب العلمية من المكتبات الملكية، وحولت مدرسة أرسطو المكتبة إلى مركز أبحاث، قبل أن يخصص الاسكندر الأموال الطائلة لنقل أمهات الكتب المخطوطة إلى اليونان ، ويدلِّل المؤلِّف على أُطروحته بالعديد من الأمثلة، ومنها قوله إن نظرية «فيثاغورث» الشهيرة نظرية مصرية خالصة، وإن المصريين هم مَن علَّموا «فيثاغورث» الرياضيات وأن مصر هى مصدر التعليم العالى فى العالم القديم وليس اليونان، ولكن على الرغم من هذا الكنز الفكرى والفلسفى العظيم، كانت وفاة أرسطو علامة على موت الفلسفة بين الإغريق الذين لم تكن لديهم ـ على ما يبدو ـ القدرة الطبيعية على النهوض بهذه العلوم الغريبة على مجتمعهم!! 

والكتاب الذى يقع فى 200 صفحة يصعب تقديمها فى مقال محدود ولا يغنى عن الندوة الموسعة التى يقيمها المركز القومى للترجمة غدا حول المترجم الموسوعي، لكنى سأكتفى بما ببعض ما عرضه المؤلف من مغالطات شائعة فى تاريخ الفلسفة ، منها؛ أن كل تلميذ فى الفلسفة يعتقد حين يسمع أو يقرأ أسماء الفضائل الأربع الرئيسية إنما يسمع أو يقرأ أسماء الفضائل التى حددها لنا أفلاطون، ولكن لاشيء أكثر تضليًلا من هذا؛ لأن نظم الأسرار المصرية التى وضعت قبل أفلاطون بقرون اشتملت على تسع فضائل، واقتبس منها أفلاطون، ماعِرف اسم الفضائل الرئيسية الأربع: العدالة، والحكمة، والاعتدال، والشجاعة، كما يفند المؤلف مغالطة أخرى شائعة بين تلاميذ الفلسفة حين يسمع أو يقرأ عبارة «اعرف نفسك» إنما يسمع أو يقرأ حكمة وضعها سقراط، غير أن الحقيقة هى أن الجدران الخارجية للمعابد المصرية الموجودة داخل وخارج مصر قبل سقراط بآلاف السنين تحمل نقوشا موجهة إلى المريدين، من بينها وصية تخاطب المريدين كما تخاطب المصريين فى كل العصور، قائلة «اعرف نفسك» تملك القدرة التى تغنيك عن كل تحديات وإجابات العالم!

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية