تسجيل الخروج
هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟
شنيور.. وخمس جلدات!
بدأت معرفتى به على باب عربة المترو بمحطة سعد زغلول، بمجرد إغلاق الباب خرج عن صمته وصاح فى الركاب: اكتم بوزها!!
انتبهت وانتبه الركاب والراكبات لمصدر الصوت.. شاب مهندم قوى واثق فى الاربعينيات، يقول بجدية: كل مشاكل البيت ياحضرات تتحل بنظرية اكتم بوزها!
بالطبع كل تفكيرى انصب على أنه أحد نشطاء جماعة اكسر للمرأة ضلع يطلع لها اثنين، لكنه استرسل: محسوبكم مهندس صلاح.. إذا جلست على مائدة الغداء وأثناء احتساء الشوربة يلعب الفار فى عبك وتقول: يا ولاد أنا شامم ريحة غاز، فيهمس الأولاد: يوووه يا حاج طب نعمل ايه؟ جاوبهم على طول: معايا الحل والإنقاذ، اكتم بوزها!
وإذا نظرت الى شقتك فى الدور الرابع، وشوفت توابع التسريب على الجدران، وتأكدت انك مقبل على حرب استنزاف مع تجار الدهانات والنقاشين وعمال المحارة والسباكين، ولو عاوز تقصر الشر.. اكتم بوزها!
ولما يرعبك سلك كهربا عريان وخايف على أًولادك ـ ربنا يحفظهم ـ وعاوز تبان انك لك فيها وفنان اكتم بوزها!
انتبه ركاب العربة وبدأوا يجتهدون يخمنون فى تفسير اكتم بوزها، وهمست بنت لجارتها على المقعد: غلبان أكيد مراته مزهقاه.. فجاء يفش غله فينا ..فواصل موجها كلامه نحوها:
انا لا بتاع تجارة ولا دى قيمتى.. زوجتى أُم بنتى وحبيبتى.. انا تاجر مع ربنا بخبرتى عشان يبارك فى لقمتى!
وواصل حديثه الجاد المنظم: اثبت مكانك.. خلى الشرف عنوانك.. والحاجة اللى اشتريتها بخمسة قبل ذلك لو بعتها بخمسين وسبعين وتسعين جنيه.. انت الخسران..
ثم أخرج علبة من حقيبته.. وأضاف: لو عندك سلك عريان او ماسورة بتنقط او تسريب غاز، ومش عاوز تهين قرشك قبل رمضان.. العلبة دى يا حضرات، تلصق كل صورة او ماسورة أو إزاز او برواز عزيز عليك..علبة شيك تنفع هدية لاختك ولاخيك وصحبك.. فيها خمس جلدات بخمسة جنيه.. مفيش زيادة مليم بحجة التعويم.. الأولى فى الغرام شفافة حلوة بوش واحد.. والثانية زى ابو لمعة دبل فيس بوشين تجمع أى اثنين.. والثالثة تلصق فى الحيط تثبت اى صورة.. والرابعة تخليك فى أمان من سلك الكهربا العريان.. والخامسة تكتم بوز التسريب من اى ماسورة!..
والبيه المهندس لا يرتدى جلبابا مقطعا ولا طربوشا ومبخرة أو شهادة طبية مزورة، ولم يلق منتجه على حجر الركاب، ثم يعود لجمعها مرة اخرى، من الايدى او من أرض العربة، وهو يكرر شعارات ارخص الاسعار ولا استغلال المحلات، ولم يحتج أن يتجول فى العربة، بل انهالت عليه الخمسات والعشرات وفى مسافة محطتين لبى كل الطلبات، من منتجه الذى صنعه فى البيت، وكل من كسب شراء علبة يتفحص محتوياتها بسعادة مقتنعا أنها لقطة وأنها ضرورة لبيته!
وهيئة البيه البياع توحى بأنه ينتمى إلى الجيل الجديد من الباعة الجائلين، تمرد على الوظيفة وقعدة القهوة، ولم يتسول من اصحاب السيارات أو يتشعبط فى المرايه، او يفرض عليك بضاعته بالعافية، لكن تجدهم بملابس شيك فى إشارات المرور وفوق المطبات الصناعية على الطرق السريعة يعرضون أشكالا مبتكرة من فوانيس رمضان ولعب وطيور وطائرات مسيرة بالريموت وأحزمة أمان فسفورية، ويعرض بضاعته بابتسامة أنيقة تليق بشاب ابن ناس مثقف يحترم خصوصيات السيارات، يشبه شباب افطار الصائم فى رمضان الذى يهدى المارة كوب ماء أو عصير, أو كيس بلح!
والبيه المهندس البياع المتجول يفهم نظريات الاتصال وأساليب التشويق، ويرى أن اقتناء الشنيور شرف وكرامة, والعمل اليدوى بديل للقهوة، ويعرض منتجه وفائدته لركاب الملاكى على طريقة صلاح فى المترو، بلغة سهلة الاستيعاب مركزة وقصيرة، يقنعك بيسر بأن الجودة ومعايشة هموم الناس أساس كسب الثقة, وتسويق اى منتج جيد أو خدمة من جلدة الحنفية حتى الأخبار الصحيفة!.
هل تريد تفعيل الإشعارات ؟
حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية