تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

شرف التبة.. وشرف المواطن

تربطني صداقة بمقابر شهداء الجيشين الثاني والثالث وكل الشهداء ، فقد أمضيت ٢٠ سنة أبحث عن قبر شقيقي "سيد عبد اللطيف" الشهيد في ١٣ اكتوبر ١٩٧٣، وعندما زرت موقع تبة الشجرة ـ سائحا ـ كعادتي ذهبت اولا الى لوحة الشهداء وقرأت السلام وتعرفت عليهم قبل الأحياء من ابطال تحريرها.

أدهشتني تحصينات الموقع كمركز القيادة والسيطرة الإسرائيلي على القطاع الأوسط شرق القناة، كانت تحميه مدافع مضادة للدروع والدبابات والطائرات و٥ طبقات اسلاك شائكة وحقول ألغام وخزانات النابالم، وارتفاعه الشاهق وجداره الصخري ٧٥مترا ضد القنابل. فعلا "رأس الأفعى" كما أطلقت عليه الدعاية الإسرائيلية وعلى٣٠ موقعا مثله في خط بارليف، ورغم ذلك سقط واستولى عليه ابطال كتيبة ١٢ في الجيش الثاني وهرب جنود العدو كالفئران وتركوا معداتهم والمركبات والمدافع والدبابات حتى الملاعق والحلل ، وحين نشرت فى الأهرام عام ٢٠١١ صورة لوحة شرف الشهداء، وقلت هؤلاء ٢٤ شهيدا وعرفناهم فأين الأبطال الأحياء، وكيف حققوا هذه المعجزة؟!

جاءتني بعد النشر مكالمة من اللواء طلبة رضوان وقال: عازمينك مع أبطال الكتيبة١٢مشاة وأبنائهم وأحفادهم للاحتفال بالذكرى الأربعين على تحرير سيناء، وعبرت معهم الساعة الثامنة وخمس وثلاثين دقيقة صباح الجمعة ٢٧ ابريل٢٠١٢، من المعدية نمرة ستة بالاسماعيلية، وهو نفس المكان الذي عبرت منه الكتيبة يوم ٦ اكتوبر٧٣ ونفس المكان الذي انطلقت منه دانات الغدر لاغتيال الشهيد عبد المنعم رياض عام ١٩٦٩، ولحظة عبورنا شفت الفرح والحماس فى كل عيون جنود وضباط الامس بينهم ١٦ لواء كانوا قد تجاوزوا الستين شيوخا وكهولا بشعرهم الابيض، ووجوههم "العواجيزي " حملت ملامح الفخار والحكمة والخبرة مع حيوية الشباب، وصلنا التبة وقدمنا التحية لأرواح الشهداء، وبدأ اللواء طلبة رضوان يقدم للأحفاد والأبناء كل بطل باسمه ورتبته اثناء الحرب ونبذة عن مهمته وبدأ بالجنود!، 

وأتذكر من الابطال الذين توقفت امام رمزية بطولاتهم ودلالتها:
- الرقيب محمد معتصم الزهوى.. كانت مهمته فى الحرب خلف خطوط العدو تفجير مخزن صناديق ذخيرة مدفع 110 الاسرائيلى المزعج، لكن معتصم بدلا من التفجير نقل الصناديق كلها سليمة مع وعد بان ينقل المدفع نفسه بطاقمه في المهمة القادمة!
ـ الرقيب محمد زيدان كان حكمدار مدفع، سجد لله حمدا لانه بعد أن كان يضبط الزاوية ويشد الحبل عاش حتى خاض حربا كل شيء فيها بالزراير قبل حروب الاقمار الصناعية والذكاء الاصطناعي! 
ـ اما الرقيب رزق وديع حنا.. مسئول التغذية والإمداد بالكتيبة كان يستطيع أن يغذى كل سرية من تسعة أفراد على نصف فرخة ورغيف عيش وخيارتين وتفاحة..

 ـ والنقيب محمد صدقي عيد قائد سرية الهاون اكتشف ان المكان الآمن الوحيد للهجوم على التبة هو حقل الألغام الذي زرعه العدو، 

ـ والنقيب محمد بدر قائد فصيلة استطلاع مسرح العمليات عبر في الموجة الاولى ودقوا الأوتاد فى شط القناة وربطوا الحبال حتى يشده جنود قوارب الكتيبة، وصعدوا الساتر واقتحموا خنادق العدو فمنعوه من الانتشار فى مسرح العمليات، 

ـ والنقيب مصطفى رمضان أحمد،  شارك فى خطة الخداع الاستراتيجي فوزع كروت دعوة زفافه على أنه يوم السبت 6 اكتوبر، و"السبت فات والحد فات".. وبعد ستة أشهر عبر من العزوبية الى الزوجية.

ـ والنقيب أحمد شوقى زكى غنيم بدأت مهمته قبل الحرب بسنتين فقد كان مسئولا عن تدريبات عبور الكتيبة فى مشروعات مشابهة للقناة على ترعة البعالوة والخطاطبة. 

ـ ونقيب الصاعقة محمد عبدالخالق قشقوش.. حصل على نوط الشجاعة عام 1968 من الرئيس جمال عبد الناصر في حرب الاستنزاف، وحصل على نجمة سيناء من الرئيس السادات. 

ـ اما الرائد حمدى البندارى رئيس أركان عمليات الكتيبة. فكانت مهامه تحديد أماكن انتشار الفصائل والسرايا ومسرح عمليات العدو..

ولا أنسى قسم اللواء طلبة رضوان ـ الذي كان نقيبا وقائد المفرزة الاولى التي عبرت قبل ساعة الصفر بـ١٥ دقيقة ثم ترقى حتى وصل الى قائد الكتيبة ـ بأننا حين عبرنا بعد فترة من التدريب الشاق والحفظ التام للمهمة وعلى يد قادة عظام منهم اللواء سعد مأمون واللواء حسن أبو سعدة واللواء رجب عثمان، وجدت كل شىء فى سيناء بالضفة الشرقية كما تدربنا عليه وخططنا له سواء بعدد الدبابات وانواع التدمير النيراني، حتى مدة وصول العدو الى مسرح العمليات حددناها بـ 14 دقيقة، ووصلنا اليها قبل وصول العدو بثلاث دقائق.. 

واصل الى مسك الختام قائد الكتيبة المقدم رجب عثمان الذي أدار العمليات من ملجأ تحت الارض وسط جنوده بالميدان ولا أنسى ابتسامته وهو يسمع باندهاش وفخر بطولات رجاله، وكأنها تتم الآن وقوله الى النقيب طلبة بعد تكليفه بالمهمة: التبة إما مجدك أو قبرك، وكان هدفه الوحيد التقدم للأمام مع الحفاظ على الأرواح والمعنويات، وانه عبر بألف وخمسمائة مقاتل، استشهد منهم 24 بطلا! 

ثم أكد لي اللواء رجب عثمان يرحمه الله: ان مهمتنا فى الحرب أسهل منها الآن، كنا زمان نعرف عدونا ومهمتنا تحرير "شرف التبة" وكل سيناء بالنيران المناسبة، أما الآن فالجيش المصرى يواجه أعداء وتحديات واختبارات أشد صعوبة، لأن مسئوليته حماية الوطن ضد أي تهديد محتمل في الداخل والخارج إلى جانب "شرف المواطن" وإشعار الناس بالثقة والأمان، وهم يخوضون معارك الحياة وبناء الدولة.

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية